شاهد.. كيف تفاعل الجمهور التونسى مع مسلسل «لمس أكتاف»؟

لمس أكتاف لمس أكتاف
 
باسم فؤاد

نجاح كبير حققه مسلسل "لمس أكتاف" بطولة النجم ياسر جلال خلال الموسم الدرامى الفائت، ولاقى صدى واسعا فى مصر والدول العربية، بعدما تصدر مؤشرات البحث على جوجل وتريند تويتر، وأخذت منصات التدوين تكتب وتحلل العمل إنسانيا ودراميا، آخرها منصة تدوين تونسية كان لإحدى المدونات عين مختلفة شاهدت بها العمل وكتبت هذه السطور..

قد يبدو العنوان غريبا للوهلة الأولى، لكن مع كل حلقة نفهم أنه لم يكن اختيارا اعتباطيا.. من مصارعة رومانية، تعتمد بالأساس على مواجهة الخصم فى جولات ثلاث، مع تفادى الضرب تحت الحزام... كان أدهم يصارع نفسه بذنب قديم... بضمير عذبه وهو يتسبب فى عجز دائم لرفيق دربه وصديقه الوحيد... لتأتى لحظة التكفير عن الذنب بإنقاذ إبنه الوحيد على من براثن الشيطان... فكانت جولة ثانية فى حياته، يتصادم فيها مع نفسه للمرة الثانية، ولكن هذه المرة بدخوله وكر الذئاب...

 

لم يكن يعتقد لوهلة، ذلك الرجل الوحيد، المنبوذ لفقره وإحتياجه، "إبن الحتة والبلد" أنه سيكون داخل كمين محكم يغير مسار حياته للأبد... كانت كل أحلامه بيت يأويه، ولحظات يقضيها مع صديقه وإبنه الوحيد، فارس.

 

كان بسيطا فى أحلامه، طموحاته وحياته... وهذا ما جعل حمزة، نقيضه التام ينجذب إليه... فالأشخاص كالمغناطيس دائما، لا ينجذب السالب إلا للموجب... وكان هذا سببا كافيا لجعل حمزة ينبهر بمن رأى فيه ندا له... لينقل المصارعة إلى داخل حلبته... هو الذى لم يعش يوما كإنسان بسيط، إلتف حول أحلام أدهم البسيطة وسحبها منه... رويدا رويدا أحكم خيوطه حوله، نسج له عالما من الخيال، بل واقعا وليس حلما... 

وأدهم لا يكاد يصدق نفسه، يتخلص من كل ماضيه، من حياته وأحبابه، ينبهر بكل تلك الأنوار المزخرفة للحياة حمزة... ويطير فوق السحاب للحظات يظنها خالدة... يدخل بكامل إرادته لعالمهم، لينهزم أمام نفسه أخيرا... وخسر جولة... خسر مبادئه وحياته، خسر كل من حوله عندما إنحسر وجوده داخل مجال حمزة.

وكافأه هذا الأخير بالدمية الجميلة، ليلاعبه أكثر حسب قوانينه... لينبهر أدهم أكثر وليغرق بين متاهات حمزة، بجمال الدنيا والحياة... بوهم إنقطعت حباله فجأة بالضربة القاضية... يموت فارس، إبنه الوحيد...

هنا فقط إستيقظ أدهم من عالمه الوردى، ليواجه نفسه بالحقيقة التى لطالما أراد إنكارها... أن إبنه كان ثمن عبوره لعالم المخدرات.. أن فارس الذى كان أقرب الناس إليه، أصبح فجأة وحيدا، نقطة بيضاء خفت نورها داخل عالم أسود، من أم تجاهد للقمة عيشها فنسيته، من أصدقاء لا ينتمى إليهم بإدمانهم وضياعهم، بفتاة تلاعبت بمشاعره إرضاءا لغرورها وتعويضا لحبيب يخونها، بأب إختفى فجأة ولم يجد لأثره سبيلا... فكان المخدر وسيلة للهروب.. للنسيان... لكن القدر خانه وأطفأ نوره للأبد...

نفس النور انطفأ داخل عيون أدهم فاسودت بقتامة صدمته... مصارع يخسر جولات عديدة، مع نفسه، مع مجتمعه، مع حياته، مع الدنيا... الحلبة لا تبقى نفسها كل يوم... وهو تائه بسبب قيود حمزة... لكنه إستفاق أخيرا مستعدا للجولة الأخيرة...

فكانت المواجهة مع نفسه، وعرف أنه لا ينتمى لهذا العالم، فواجهه بكل حيله، ليكتشف الوجه الآخر الشيطان... إنسان لا يمتلك شيئا ولكنه يشتريه إن أراده مهما كلفه الثمن... وإن كان ثمن ما يريد : أخ وثلاث نساء فى حياته...

أخ، بقى فى جزر ومد بروابط الأخوة معه، إعتقد لوهلة أن حمزة أخ جيد له، ليثبت له فى الأخير أنه كان على خطأ، وأن الأخوة ليست رابطا دمويا، بل هى إيثار، وهو مافقده زيدان وهو يتأكد بنفسه أنه مجرد رجل من رجال حمزة لوصوله لأهدافه وتحقيقا لأنانيته... 

زوجة أولى، عايدة. هذه المرأة القوية التى أنكرت مرارا وتكرارا ماتراه عيونها لإرضاء صوت قلبها العاشق لحمزة... كانت مجرد وسيلة لتكوين ثروته... إبنة العم، التى صانت العرض والدم... التى أفدته بمالها وروحها، لتكتشف حجم الخيانة بحرمانها حقها فى الأمومة... فينقلب السحر على الساحر... 

عايدة، التى عاشت بصراع داخلها أزلى بين مفاهيم الحلال والحرام، بين عقلها وقلبها، تصفعها الحياة بكشفها ألاعيب حبيب قلبها ضدها... صورة المرأة المجروحة المغدورة، تنتفض كلبؤة داخل قفصها... لكنها تستيقظ أيضا على صدى موت فارس، بعد أن أدركت زيف حياتها ونوت التوبة... عايدة (أو عائدة)، إسم على مسمى عندما تعود عن طريق الباطل لتسلك طريق الحق، تنتقم ثأرا لنفسها، لكن يد الغدر كانت سباقة فى حرمانها من حياة جديدة كانت تتمناها...

كاميليا، الفتاة الجميلة الراقية. مجرد واجهة لتلميع صورته أمام المجتمع الجديد. حياة تبدو مثالية من الخارج، لكن الكره يسيطر عليها بعد إدراكها ألاعيب حمزة الوصول إليها... بموت والدها وإنفصال أختها عنها، تجد نفسها سجينة الوحدة... والوحش.

غادة، الأخت الجميلة، مدللة الجميع ومحبوبتهم. أحبها سامر كالخطئية، فكانت حياته قمنا لتمسكه بجنتها... هذه الجنة التى آوت أدهم لبضعة أيام، تحولت رمادا بعد أن أحرق روحها فيها... لا دموعها ولا آلامها شفعت لهما، فغادرها أدهم وهو يفصل نفسه عن حمزة وعالمه، عنها جميلة الدنيا بحب بريء وآثم... فإختارت الهرب من عالمها، لعلها "تعيش"...

حمزة، الذى ما إنفك يلتف حول أحبته بوجه يعرفونه، وآخر يخيفهم فيحذرونه... يكمل صفقاته فى الخفاء، غدرا بكل من حوله، حتى أقرب الناس منه وأبعدهم. يتقدم بثبات كل مرة بعد تخطيط لكل خطوة، ويجد نظيره فى عالم متوازي... شخص أراده صديقا مهما كلفه الثمن، فأغواه كما أغوى الشيطان آدم : جنة لا تحرمه شيئا.

فكان إثم أدهم دخوله الجنة، ليكلفه الخروج منها حياة إبنه... إبن ضحى بمبادئه من أجله، فكانت سخرية القدر منه بإفتكاكه منه... بسلاح حمزة مات فارس، فكانت الجولة الحاسمة على أرض حمزة وببيادق أخاه زيدان وأحباء أدهم.

كانت لحظة تصادم، لمس أكتاف وجها لوجه... ندا لند كان الصراع على أوجه بينهما... ليستسلم حمزة أخيرا لقدره المؤكد، ويسلم أغلى ما عنده، إبنه الوحيد، بيد عدوه وصديقه الوحيد. 

مفارقة قد تبدو غريبة. لكن الأسود يعشق بياض أدهم ويحسده عليه. يقع أخيرا حبيس القضبان، لكن هيهات، فالشيطان لا يُسجن طويلا...

كانت آخر المعارك، فإنتصر أدهم للشباب ضحية المخدرات... كان إبنه الوحيد قربانا لنجاتهم من الظلام... صنع بطلا من على إبن صديقه الحقيقى والوحيد... خسر حب حياته غادة، لكنه عوضه بعودته لإيمان حتى لو كصديق.. إيمانا منه بحياته القديمة... 

أصبح بطلا فى عيونهم جميعا... لكنه يخلد لنفسه كل مرة وهو وحيد بينهم... يراجع معاركه مع الدنيا، مع نفسه، مع الشر...ينزوى بعيدا فقد أنهكته المعارك... يختار إستراحة المحارب الأخيرة وهو يتساءل : ما أهمية الحياة إن فقدت أحلى معانيها؟ ما فائدة أن تكون بطلا... وقد خسرت أغلى ما تملك؟

 
تفاعل (1)
 

تفاعل (2)
 

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر