زينب عبداللاه تكتب دموع توفيق عبدالحميد..حين يحصد الفنان ثمرة إخلاصه

توفيق عبدالحميد توفيق عبدالحميد
 
على خشبة المسرح جلس بين المكرمين من أعلام ونجوم الفن خلال حفل افتتاح المهرجان القومى للمسرح المصرى ، بعد غياب استمر لما يقرب من 9 سنوات لم يقدم خلالها أى عمل فنى جديد ، ربما دار فى ذهنه خلال هذه اللحظات رحلته فى عشق الفن والمسرح، ربما جددت هذه اللحظات شجونا ومحبة وأحزانا حاول أن يخفيها طوال فترة الغياب، وربما دارت فى ذهنه أسئلة كثيرة: هل يتذكرنى الناس رغم هذه السنوات؟ ، هل يشعرون بحجم ما عانيته طوال هذه الرحلة التى كان ملأها الصبر والمعافرة والشقاء والإخلاص والصدق و كان يمكن أن أحقق فيها شهرة ومكاسب أكثر بكثير مما حققته إذا ما تنازلت قليلا عما أتمسك به؟ و  كيف سيستقبلنى الجمهور؟
 
 بالتأكيد فإن أسئلة كثيرة تزاحمت فى رأس الفنان توفيق عبدالحميد قبل أن تنطق جاسمين طه مذيعة حفل افتتاح المهرجان اسمه ، ولكن جاءت الإجابة واضحة بعد لحظات، حيث ضجت القاعة بالتصفيق الحار ووقف الجميع وهتفوا باسمه لمدة طويلة تعبيرا عن الحب والاشتياق لهذا الفنان الصادق الذى أذهله هذا الاستقبال، فارتعد جسده ولم يتمالك دموعه حين حصد فى هذه اللحظة نتيجة جهده وصبره وصدقه وإخلاصه للفن، وتأكد أن الجمهور لا ينسى من أخلص لفنه وأعطى دون مقابل مهما غاب أو ابتعد.
 
توفيق عبدالحميد أحد الفنانين الموهوبين الذين تركوا بصمات راسخة فى أذهان الجماهير رغم قلة أعماله مقارنة بكفاحه الفنى ، لا ينسى الجمهور  نظراته ودموعه وانفعالات وجهه، وأداءه الصادق فى مشاهده التى شارك فيها كبار النجوم أو تفرد فيها، عزيز المصرى فى حديث الصباح والمساء والدكتور رياض فى أين قلبى، وكمال أبو العزم فى حضرة المتهم أبى، وحسن عوف فى كفر عسكر وغيرها عشرات الأدوار، قدمها خلال 10 سنوات فقط هى فترة الوهج الفنى لهذا الفنان الصادق، بدأت منذ عام 2001 وحتى عام 2010 ، وسبقها 20 عاما من الصبر على الحلم والمعاناة والمعافرة والشقاء قضاها فيما سماه بـ«محنة عنق الزجاجة».
 
كانت معاناة توفيق عبدالحميد خلال سنوات المحنة وعنق الزجاجة  كفيلة بأن يهجر حلمه ويتنازل عنه، لكنه لم يفعل حتى بدأت مرحلة التألق والنجومية، والتى كان ينتقى خلالها أدواره بعناية ولم يلهث ليشبع عطشه الفنى بأدوار لا تليق بنظرته للفن ، حتى كان آخر أعماله التى قدمها عام 2010 وهو مسلسل «سى عمر وليلى أفندى»، وبعدها لم يقدم أعمالا أخرى، حيث قرر النجم أن يحجب ضوءه، سواء بإرادته أو لظروف أخرى، ولكن لا تزال أعماله راسخة فى أذهان جمهور. 
 
لم يدعى توفيق عبدالحميد أنه عانى من الظلم أو تعرض لحرب تسببت فى توقفه وابتعاده عن الفن ولكنه أكد خلال حوار سابق معنا أنه متوقف بإرادته منذ قدم مسلسل «سى عمر وليلى أفندى» عام 2010، رغم أنه يتلقى عروضا بالتمثيل لا تتوقف كل عام، ولكنه يرفضها. 
وفسر رفضه لما يعرض عليه من أعمال قائلا:"التمثيل بالنسبة لى حالة استمتاع، ودائما أبحث عن الدور الذى أشعر بالاستمتاع وأنا أؤديه، فيشغلنى طوال الوقت ويجعلنى أفكر فى الشخصية وأستغرق فى تفاصيلها ومحاولة اكتشاف أسرارها، فالفن والتمثيل بالنسبة لى مثل حالة الحب لا تقبل حالة النص نص، فإما حب أو لا حب".
 
فالفنان الذى عشق الفن منذ طفولته وصباه شارك فى فرق التمثيل وحصل على لقب ممثل أول على مستوى جامعة عين شمس وممثل أول على مستوى الجامعات، وبدأ رحلة الاحتراف بعد تخرجه من كلية الحقوق والتحاقه بمعهد الفنون المسرحية عام 1979 فلفت أنظار أساتذته وأشادوا بموهبته ورشحه ممدوح الليثى الذى كان يقوم بالتدريس بالمعهد للمشاركة فى أول عمل تليفزيونى له عام 1980، وهو مسلسل «الوليمة» مع عدد من عمالقة الفن ومنهم تحية كاريوكا وعماد حمدى وكريمة مختار، وتوقع الجميع أن يكون ذلك بداية مشوار النجومية للشاب الموهوب، ولكن ذلك لم يحدث. 
 
مر توفيق عبدالحميد بأصعب فترة فى حياته فبعدما شارك فى مسلسل لا إله إلا الله، بدأ  محنة مرحلة عنق الزجاجة التى استمرت لمدة 20 عاما، لم يبدأ خلالها مشوار النجومية كما كان متوقعا، وحتى هذه الفترة الصعبة لم يفسرها أو يلق باللوم فيها على أحد بل فسرها بقوله:"ترجع بعض الأسباب لآخرين وبعضها لى،لأننى لم يكن لدى خبرة وتجربة" «لم يكن أمامى طوال هذه الفترة متنفسا سوى المسرح فقدمت من خلاله أعمالا مهمة ومتميزة ولكنها لم تصادف الشهرة ولم تسلط عليها الأضواء"..هكذا أوضح عبدالحميد دور المسرح فى حياته وفى محنته.
 
«بقيت فى عنق الزجاجة من عام 1980 وحتى عام 2000.. وهى الفترة التى كان من المفترض أن الدنيا تنور وأكون نجم ، وخلال هذه الفترة مرت علىَّ أزمات كثيرة وفكرت أسيب التمثيل، وأعمل عربيتى تاكسى وأشتغل عليها، لكن شاء القدر أن تتعرقل الإجراءات ثم جاءت الانفراجة بعد الضيق بترشيحى فى دور عزيز المصرى فى مسلسل حديث الصباح والمساء عام 2001، وعندما شاهدت الفنانة سميرة أحمد هذا الدور رشحتنى لمسلسل أميرة فى عابدين، وفى نفس العام قمت بدور الدكتور رياض فى مسلسل أين قلبى، وشاركت فى مسلسل قاسم أمين 2002 فى دور الشيخ محمد عبده، وكنت قبل ذلك شاركت فى مسلسل أم كلثوم فى دور فكرى أباظة».
 
كان المفترض أن يستغل توفيق عبدالحميد هذه النجومية، ويعوض فترة الحرمان ويجنى حصاد الصبر، ولكن كان له وجهة نظر مختلفة فسرها قائلا: «حققت حلمى وهو أن أحصل على شهادة بموهبتى من الجمهور، وأصبح هدفى أن أمثل حتى أستمتع وأبتهج بالعمل الفنى، وليس لكى أكون مشهوراً أو أجمع أموالاً، ففترة عنق الزجاجة علمتنى الغنى بالاستغناء، وإن لم أجد ما يحقق لى الاستمتاع فى التمثيل أستمتع بالتلقى وبأعمال الآخرين».
 
تحدث توفيق عبدالحميد خلال حديثه معنا عن الجمهور الذى يشتاق لفنه قائلا: «أنا أشد اشتياقاً ومشاعر الناس نحوى محل تقدير واحترام، لذلك يجب أن أحافظ على هذه المشاعر بمحاولة الوصول لأجمل ما يمكن أن أقدمه لهذا الجمهور» وهكذا ترجم الجمهور مشاعر الاحترام والاشتياق للفن الصادق باستقباله للفنان الغائب منذ سنوات وكأنه يؤكد أنه لا ينسى فنانا يحرص أن يقدم فنا صادقا راقيا وينتظره مهما غاب أو ابتعد، وأن الفن الراقى هو الباقى وما دونه فناء وغثاء، وأن صبر الفنان وصدقه وإخلاصه لفنه لا يذهب هباء، فهل يعود الفنان الصادق ليقدم لجمهوره ما ينتظره منه بعد سنوات الغياب؟
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر