على الكشوطى يكتب: عن الفن وعلاقته بالتنمر والتوافق المجتمعى وأشياء أخرى

على الكشوطى على الكشوطى
 

"التنمر" واحدة من المصطلحات الحديثة نسبيا والتى ربما لم نتمعن فى معناها سوى فى السنوات القليلة الأخيرة، ذلك المصطلح المؤذى والذى عانى منه الكثير والكثير ودعمه الفن فى وقت لم يكن هناك توافق مجتمعى حوله تجريمه، لسنوات طويلة لم تكن السخرية سوى على فئات مجتمعية بعينها مثل الفلاحين والصعايدة ويترجم ذلك معظم النكات التى كانت تقدم على الشاشات وأغلبها تبدأ بمرة واحد صعيد أو فلاح من بلدنا وهكذا، فى ذلك الوقت لم يكن لمصطلح لتنمر معنى بل كان يندرج ذلك تحت بند الفكاهة والسخرية الآمنة بل كان لذلك النوع من النكات ولا يزال جمهور كبير يصفق له ويطلق الضحكات عليه.

مع مرور الوقت ومع انفتاحنا على العالم أكثر وأكثر أصبح لمعنى التنمر بمكانة كبيرة فى مجتمعنا رغم أن نفس المجتمع هو من كان يدعم ويصفق ويهلل لكل من يسخر من لون أو شكل أو حجم الإنسان والتاريخ طويل ويشهد وعلى سبيل المثال واحدة من أكثر الأغنيات شيوعا وربما تربى عليها أجيال كثيرة هى أغنية أجمل ما فى الحفلة مين دبدوبة التخينة أو ذلك المشهد الشهير لمحمد هنيدى فى فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية وأغنية شكولاتة اتحرقت بس بطاطا أو حتى فى النماذج الأقدم مثلا بمسرحية فؤاد المهندس وشيريهان عندما كان يضرب المهندس ولية أمر سمينة الوزن ويسخر من وزنها الثقيل وغيرها من النماذج الراسخة فى الأذهان والتى تعامل المجتمع معها على أنه نوع من الفنون وعادى جدا أن نسخر من أصحاب الوزن الثقيل أو الخفيف أو من أصحاب البشرة السمراء وأصحاب اللهجات والثقافات المختلفة وأن ندرجه تحت بند فن السخرية والفكاهة والإضحاك والنماذج كثيرة حتى فى تلك الأعمال الحديثة نسبيا.

موخرا نار التنمر تلك احرقت احرقت العديد من الفنانين ولا أحد يستطيع أن ينشى خناقة أحمد فهمى الشهيرة بسبب التنمر على شعر ابنة أخيه كريم فهمى أو التنمر على رجاء الجداوى بسبب احتفالها بعيد ميلادها الـ٨٠ أو على نبيلة عبيد ونادية الجندى بسبب التقدم فى العمر أو التنمر على شكل زوجة آسر ياسين أو دينا الشربينى والتقليل منها بسبب علاقتها بالهضبة عمرو دياب أو واقعة التنمر على شقيقة محمد رمضان وشكلها فى حفل زفافها أو التنمر على ابن محمد رمضان بسبب لون بشرته.

الاستسهال فى فن الضحك والإضحاك باستخدام نماذج للسخرية منها سواء على لونها أو وزنها أو ثقافتها أو مستواها الاجتماعى هو من أوصل بنا الحال لما نحن عليه هو من جعلنا نرى ونقرأ حالات انتحار لأطفال وشباب تعرضوا للتنمر هو من جعل أجيال كثيرة تتصالح مع الفكرة وتستباح أعراض الكثيرين بإطلاق النكات والتنمر عليهم باعتبار أن المجتمع متوافق مع ذلك ويرى التنمر على الشاشات ويسمعه فى الأغانى ولا يجد من يصححه أو يرفضه، وربما الصحوة التى حدثت تجاه ذلك المصطلح وخطورته على المجتمع جعل هناك توافق مجتمعى جديد على رفض أى شكل من أشكال التنمر وظهرت العديد من حملات التوعية والأغانى التى تشجع على عدم التنمر ولكن مع الأسف بعد أن تأصل داخل الكثيرين أن التنمر نوع من أنواع خفة الدم لذا سيكون أمامنا وقت طويل لتغير تلك الصفة التى تأصلت بين الناس.

وعلى الفنانين فى ظل الانفتاح على العالم وفى ظل البطولات الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعى أن يتعاملوا مع التنمر عليهم بحكمة وألا يسمحوا للتنمر أن يغتالهم ويغتالهم أولادهم على أمل أن تتغير تلك الظاهرة وأن يشعر المناضلين وأصحاب الدم الخفيف "كذبا" أن ما يفعلونه شيئا مؤذيا ويعرضهم للمساءلة القانونية، وربما يستطيع الفنانين من خلال فنهم أن ييغيروا الصورة الذهنية لأصحاب الوزن الكبير أو الخفيف وأصحاب البشرة السمراء وأصحاب الثقافات والمستوى الاجتماعى المختلف وأن تتحول تلك الشخصيات إلى شخصيات على الشاشة لا نسخر منها مثلما هو الحال فى الحياة فما المانع أن يكون بطل فيلم ثقيل الوزن أو محبوب من الفتيات ونبتعد قليلا عن فكرة أن الوسامة والعضلات المرسومة والطول والعرض هو الأساس فى البطولة مثل هذا التحديد والتخصيص والتنميط لشكل معين وهو من يجعل ما دون ذلك عوارا وهو ما يجعل الفتيات لا ترى سوى الشاب المفتول للعضلات نموذجا والفتيان لا يرون سوى الجميلات نموذجا وبالتالى يضيع المتفاوتين بين العضلات المفتولة والجمال الصارخ، الله قادرا على أن يجعلنا جميعا متشابهين لكن لحكمته جعل الاختلاف بيننا رحمة فى كل شىء ويجب علينا أن نتقبل أنفسنا لأن المتنمر عليه هو متنمر محتمل فى كل الأحوال.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر