رائد لطفى يكتب: حوار قصير مع محمود ياسين

محمود ياسين محمود ياسين
 

لم أتشرف بلقاء الفنان القدير محمود ياسين وجها لوجه لكن القدر قد أهدانى فجأة شرف عمل حوار تليفونى قصير معه وهو فرصة لو تعلمون عظيمة.. فقد تعلمت منه الكثير ومازلت متمسكا بكل نصائحه لى.. فقد كنت رئيسا للقسم الفنى بإحدى الصحف الأسبوعية ولسبب ما لا أذكره حاليا حدث خلاف ما بين الفنان الكبير والجريدة فطلب منى رئيس التحرير عمل اتصال تليفونى بالفنان الكبير والاعتذار له.. وكنت فى شك من أنه سيقبل اعتذار صحفى لم يقابله أو يعرفه من قبل.. فاتصلت بسكرتيرة الشخصى وكانت المفاجأة الأولى وهى أن محمود ياسين كان بجواره ووافق على تلقى اتصالى فسمعت صوته الرخيم والأبوى على الناحية الأخرى فارتبكت وتاهت الكلمات منى.. فلاحظ ذلك وبادر بسؤالى قائلا أنا تحت أمرك عايز أيه ؟ فقلت.. أنا مكلف بمعرفة ما يرضيك حتى تسمح للجريدة بنشر أخبار حضرتك أو إجراء حوار صحفى ؟ فضحك وقال.. اسأل يا أستاذ وأنا هجاوبك؟

فانتهزت الفرصة التى كنت أعلم جيدا أنها فرصة ذهبية لأن لقاءات وحوارات محمود ياسين كانت نادرة جدا.. وظهوره الإعلامى النادر كان خلال المهرجانات السينمائية والفعاليات المسرحية فقط.. وبدأت الحوار بسؤال كان يشغلنى وهو سبب تراجع المسرح المصرى وقتها؟ فأذكر أنه أجاب فى هدوء ونوع من الحزن الداخلى قائلا لأن المسرح هو منصة الفكر ونافذتنا على العالم ولم يعد هناك اهتمام بالفكر وكل الاهتمام الآن بالتسلية وهو ما تجده على الفضائيات وقنوات الدش _ الذى كان قد بدأ ينتشر وقتها _ لكن سيظل المسرح القومى بفنانيه الكبار كرمانة الميزان وسيعود المسرح المصرى لعصره الذهبى يوما ما.. فسألته كصحفى يبحث عن سبق صحفى عن أعماله الجديدة فأجاب فى صورة نصيحة أبوية وفنية بعدما ألمحت له أننى خريج أكاديمية الفنون وكل همى احتراف التأليف المسرحى وكتابة السيناريو قريبا.. فقال أنا بقرأ سيناريوهات كتير وبعتذر عن كتير لأنى بسأل نفسى سؤال واحد وهو ماذا سيبقى للناس ولتاريخى الفنى بعد العمل.. وقبل ما تكتب نص مسرحى اسأل نفسك هذا السؤال.. ماذا سيبقى من العمل بعد عشرين أو مائة سنة.

وبعد نشر الحوار نلت الكثير من التهانى من الأصدقاء لكننى عرفت وقتها قيمة أن يكون الفنان مثقفا وصاحب رؤية ورسالة.. فنان يحمل هم ماذا سيترك للناس وكيف سيحكم عليه وعلى أعماله الزمن والناس بعد مائة عام.. ومن وقتها حاولت جاهدا أن ألتزم بنصيحة الفنان الكبير وكلما رأيت فنان قليل الثقافة كثير الشعبية يحمل هم يومه وتضخم ثورته فقط تحسرت على الفنانين والمثقفين الكبار وزاد خوفى مما هو قادم.. فرحمة الله على القدير والمبدع والإنسان الحقيقى محمود ياسين وعزائى أننا بعد مائة عام من الآن سنشاهد أعماله الخالدة ونستمتع بها ونتعلم منها الكثير.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر