إن الحب الذى نكنّه لمهرجان الجونة السينمائى ليس مجرد إعجاب بفعالية عابرة، بل هو تعلق عميق بثلاثية متناغمة: إيماننا بقوة السينما، شغفنا بجمال مصر الذى يتجلى فى مدينة الجونة الساحرة، وتقديرنا للرؤية المستنيرة للقطاع الخاص الذى يستثمر فى بناء الوعى والثقافة. هذا المهرجان، الذى انطلق فى عام 2017، تجاوز بداياته ليصبح منارة إقليمية للتميز الفني، وريشة ناعمة ترسم مستقبل الفن السابع فى المنطقة.
جوهر محبة المهرجان أساسه فى الإيمان العميق بفن السينما كلغة عالمية تجمع الثقافات وتخلق مساحات للحوار. لم يكن الشعار المحورى "سينما من أجل الإنسانية" عبثا، بل هو بوصلة أخلاقية تمنحه القبول العاطفى والشرعية المستمرة.
لقد أكد آل ساويرس، مؤسسى المهرجان، أن هذا التوجه جاء إدراكا لحاجة المنطقة الماسة لدعم قيم الإنسانية والسلام. هذا الاستثمار ليس بهدف الربح المادي، بل هو استثمار "للوطن والتاريخ والإنسانية". هذا البعد الأخلاقى يرفع المهرجان من مجرد فعالية ترفيهية إلى مستوى المنصة الثقافية التى تتبنى قضايا التنمية المستدامة. كانت الأهداف واضحة: تعزيز التواصل الثقافى واكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة فى العالم العربي.
لقد أثبت المهرجان، رغم حداثته، سرعته المذهلة فى اكتساب مكانة بارزة، متحولا إلى واحد من أكثر الأحداث الثقافية شهرة وتأثيرا فى المنطقة. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الاحترافية والدقة فى التنظيم، والاعتماد على هيكل إدارى قوى وكفاءات فنية وإدارية رفيعة المستوى، مما يضمن الاستمرارية والجاذبية للمحترفين الدوليين.
إن الجونة هى قصة نجاح تروى كيف يمكن للرأسمالية التى يغذيها الشغف أن تكون مهندسا رائدا للثقافة والفن. فالعمود الفقرى لهذا الحب هو الفلسفة الواضحة للمؤسسين، التى تضع الأهداف المعنوية فوق الربح. ويتجسد هذا الالتزام عبر "مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية" التى لا تدعم المهرجان فحسب، بل تعمل أيضاً على إثراء المشهد الثقافى المصرى على مدار العام.
يُعدّ احتضان مدينة الجونة للمهرجان عنصراً حيوياً فى نجاحه العاطفى والفني. إن الإطلالة على الجونة تمنح المهرجان ميزة تنافسية، حيث يصبح المكان شريكاً فى الإبداع، وليس مجرد خلفية.
الجونة، هى بحد ذاتها "رسالة أمن وسلام"؛ مدينة راقية وهادئة تنافس أرقى المدن العالمية، وتمتاز بالبساطة والرقى فى آن واحد. توفر هذه البيئة الساحرة لضيوف المهرجان، من النجوم وصناع الأفلام، مساحة مثالية للتشبيك وتبادل المعرفة، مما يعزز صورة مصر الحديثة كمركز ثقافى متطور.
كما تدرك الدولة المصرية القيمة الاستراتيجية للجونة كأداة للقوة الناعمة. فالتعاون الاستراتيجى بين الحكومة المصرية والأمم المتحدة والمهرجان، يشكل منصة لتوظيف الثقافة كأداة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التفاهم بين الشعوب.
يكمن جوهر مهرجان الجونة فى ذراعه الصناعى القوي، "منصة الجونة السينمائية"، التى تعتبر مصنعاً حقيقياً لاكتشاف ودعم الأصوات الجديدة فى العالم العربي.
هذه المنصة هى الآلية المتخصصة لتنمية صناعة السينما، فهى تهدف لتمكين صانعى الأفلام المصريين والعرب ومساعدتهم فى العثور على الدعم الفنى والمالى اللازم. عبر مكوناتها المتكاملة مثل "منطلق الجونة السينمائي"، يعمل المهرجان كـ "بنك تمويل أولي" للإبداع، حيث يتجاوز مجموع الجوائز التى تتنافس عليها المشاريع الـ 380 ألف دولار أمريكي. هذا التمويل حاسم لإنتاج المحتوى الأصلي، ويدعم مهمة المهرجان فى أن يكون "محفزاً لتطوير السينما فى العالم العربي".
يكتسب مهرجان الجونة احترامه الفنى من جودة برنامجه وتنوعه. فهو يركز على النوعية بدلاً من الكمية، مقدماً بانوراما سينمائية متنوعة تعكس "ثراء المخيلة الإبداعية للمخرجين"، ويستقطب صفوة الإنتاجات العالمية الحائزة على جوائز كبرى. كما يتضمن البرنامج قسماً خاصاً لـ"سينما من أجل الإنسانية"، لدعم الأفلام التى تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة، مع إيلاء اهتمام خاص لدعم السينما المحلية وأفلام الجيل الجديد من المبدعين المصريين.
أما جوائز الإنجاز الإبداعى فتمثل استراتيجية لربط المهرجان بتاريخ الفن السابع، من خلال تكريم السينمائيين الذين تركوا "بصمة واضحة لا تُمحى"، مثل تكريم النجم الكبير عادل إمام وآخرين، مما يعزز شعور الجمهور بالفخر بالفن العربى.
لقد نجح المهرجان فى بناء منظومة لا تقتصر على أيام الفعالية السنوية، بل تمتد لتشمل التأثير المستدام طوال العام عبر منصة "سينى جونة" ودعم المواهب الشابة. إن هذا الالتزام يعزز مكانة مصر كقوة ناعمة ومركز إقليمى للفنون، ويجعل من مهرجان الجونة السينمائى نقطة فخر للعالم العربي.
إن مهرجان الجونة السينمائى يمثل حالة استثنائية من الشغف المحول إلى إنجاز مؤسسي. نحن نحب هذا المهرجان لأنه احتفال بالانتصار للمعادلة الثلاثية الصعبة: العمق الفنى الذى يجسد الإنسانية، سحر المكان الذى يمثل "مصر الجميلة"، وشجاعة الاستثمار الخاص الذى يتبنى الثقافة كرسالة للوطن والتاريخ.