حوار.. السارة: أنا نقطة فى بحر الفلكلور السودانى

السارة السارة
 
مصطفى فاروق - تصوير: محمود حسب الله

"ازيك يا مصر، وحشتونى يا مصريين"، لحظات صمت سادت أرجاء المكان قبل نطقها هذه الكلمات، واعتلت على محياها نظرات العاشق الولهان حين تلاقى مع نصفه الآخر بعد طول غياب، ابتسامة حفرت بهجتها على ملامحها، لتصدر فرحة أنارت بضحكتها أنوار المسرح الخافتة، لتتلعثم فى داخلها كل ما حضرته من رسائل الحب وخطابات التحية، ولا تجد أنسب من هذه الكلمات التلقائية تعبر عن سعادتها البالغة للعودة إلى موطنها البديل كما تصفه، وسط أحضان أكثر جمهور عشقته فى مشوارها، بنت النيل السمراء الجميلة بروحها المتغذية من روح القارة السمراء وأصالتها، خاطفة المسامع بأدائها الساحر لفلكلوريات بلدها الأم، تعيد نفخ روح التجديد في جسد التراث وتقدمه على طبق متنوعة بهاراته الموسيقية، تسيل عليها لعاب كل أذن متذوقة للموسيقى مهما اختلفت جنسياتها وخلفياتها.

IMG_1209

"الشوق الشوق"

النجمة السودانية "السارة"، التي عادت أخيرًا إلى مصر بعد فراق دام سنتين عن آخر إطلالاتها، خطفت "عين" معها حوارًا حصريًا، لتتحدث خلاله عن شعور العودة، وتستعيد فيه ذكريات البدايات وصولًا لكواليس تحضير ألبومها الجديد، تقول السارة فى مستهل الحديث: مشتاقة لكم كتير وأشعر بالفخر والحماس لدرجة لا أستطيع وصفها، مصر من أقرب البلدان لقلبى وبعتبرها بلدى الثانى.

وتجسدت محبة السارة للمصريين منذ 3 سنوات، إبان أولى حفلاتها الغنائية بالقاهرة وقررت تصوير أولى كليباتها المصورة وسط شوارع العاصمة ومنها مقتطفات من حفلتها على مسرح الجنينة بحديقة الأزهر، وهو نفس المسرح الذي أطلت عليه هذه المرة، واختارت إهداء أغنية "حبيبي تعالى" للشعب المصرى وكتابة ذلك في مقدمة الكليب، كنوع من الشكر والعرفان للاستقبال الطيب لها في مصر، ومن هنا تسترجع ذكرياته ذلك قائلة: حبيت أقدم هدية للمصريين بعد الحب اللى شفته منهم، وحسيت فعلًا إنهم جزء من عيلتى الكبيرة.

IMG_1205
 
"مزيكا الحنين"

السارة يمكن وصفها بعدة ألقاب تعبر عن رحلتها، بين الرحالة والمغامرة وحتى المهاجرة، نظرًا لكونها سودانية الأصل وهاجرت من محل ميلادها بالخرطوم كمهاجرة مع عائلتها خلال انقلاب البشير، إلى اليمن ومن ثم إلى أمريكا حيث استقرت في نيويورك حتى وقتنا هذا، وانطلقت من هناك في رحلتها الموسيقية، وتقول: الهجرة علمتني إن الموسيقى وطن، وإنك تقدر تسيب ملامحك بالمزيكا اللي بتعملها في أي مكان، وهو ما تجسد واضحًا في نوعية موسيقاها وأغانيها المعتمدة على فكرة "الوطن والرحيل والغربة" وحتى "العودة للجذور"، فرغم دراستها للمزيكا في أمريكا واحتكاكها بالعديد من الثقافات والجنسيات وتمكنها من عدة لغات ولهجات غربية، إلا أنها أصرت أن تترك بصمتها في المجال الفني بالرجوع إلى جذور تراثيات بلدها، مقدمة الفلكلور السوداني الأصيل على طريقتها الخاصة، لخصتها في مقولة: أنا سوادنية واتولدت في السودان وهموت في السودان، وكل حياتي وتجوالي مجرد رحلة وهرجع في الآخر للطمي اللي جيت منه.

مرت السارة بعدة مراحل بمشوارها الفني، بدأته من محل إقامتها في بروكلين، عبر مشروع "ساوند اوف طرب"، أولى تجاربها الغنائية واستوحت موسيقاها من جزر "زنجبار" بالمحيط الهادي، الشهيرة بتنوع ثقافاتها، ومنها استلهمت التنويع في تقديم تراث بلدها الأم، وذلك ما تجسد في أول ألبوماتها "جوال" مع الموسيقي والمنتج الفرنسي ديبروي، أعادت إحياء روح التراث السوداني بجرعة مركزة من المزيكا الإلكترونية، لعل أشهرها أغنية "جبال النوبة"، توصفها بجملة: تجربة نفسي أعملها من زمان، إني أسيب بصمتي على أوصل المزيكا السوداني بلمسة إلكترونيك.

IMG_1212

"روح النيل"

قبل انطلاق رحلة مشروعها الأقوى "النوبة تونز"، خاضت السارة تجربة أن تكون جزءًا من فريق عمل موسيقي يرتكز على جمع شتات فلكلوريات دول حوض النيل في مشروع موسيقي واحد، تجسد في "مشروع النيل"، وجمع أكثر من 14 موسيقي من تلك الدول، منها مصر وإثيوبيا ورواندا والسودان وأوغندا، وشاركت معهم فى إطلاق أول ألبومات البروجكت "أسوان" منذ ثلاث سنوات، وجالت مع الفريق في جولة غنائية عالمية، حتى قررت بعدها بعام الانفصال عن المشروع، للتفرغ لمشروعها الغنائي الجديد والمستقل، نظرًا لضيق الوقت وكثرة السفريات، وفي هذا الصدد تقول: التجربة ضافتلي خبرة كبيرة لكني اضريت انسحب لما بدأت النوبة تونز، والوقت كان ضيق.

تأتي الرياح أحيانًا أقوى مما تشتهي السفن إن جاز وصفها بذلك، فتمكنت السارة من الوصول بحلمها الموسيقي إلى ما يقارب العالمية، بعد خروجها من بوتقة جمهور المزيكا في نيويورك حاملة شعلة التراث السوداني إلى العالم، عبر مشروع "النوبة تونز"، وهو ما يتضح وصفه في الاسم نفسه، تعيد فيه تقديم تراث النوبة القديم وأشهر أعمال الفلكلور السودانين، لكن من وجهة نظر موسيقية مختلفة تمامًا، دون الاتكال فقط على إعادة تقديم ما هو قديم، بل "تلميعه" إن جاز الوصف.

IMG_1200

"طمي المنارة"

واختارت اسم "طمى" ليكون عنوان ألبوم البروجكت الأول نتاج عمل دام 4 سنوات، وهو ما يدل على فكرة رسالتها الأساسية بالرجوع إلى أصولها النوبية والسودانية، ومنه أغنية "حبيبى تعالى" التي أشرنا إليها من قبل، ومثل أولى خطواتها الحقيقية فى سلم الوصول للنجومية، واقتربت خطوة من حلم توصيل صوتها للعالم عبر ثانى ألبوماتها "منارة" بعده بعامين،  وفاجأت الجمهور المصرى بالظهور اللايف لأغنياته، منها "عروس النيل" و"ياوطن".

"منارة فيه نضوج أكتر ليا كفنانة، ويعتبر ألبوم شخصى، ومن أقرب أغانيه ليا "فلانى ووطن"، هكذا وصفته السارة، التى خاضت خلالها تجربة كتابة معظم أغانيه بجانب تلحينها، وهو ما جعله شخصيًا أكثر فى معانيه ورسالته، وقررت إعادة إطلاق الألبوم بشكل جديد مرة أخرى بالاعتماد على صيغة "الريميكسات"، بجمع خبرات موسيقيين من مختلف الجنسيات فى إعادة توزيع أغانيها، واختارت أن تكون مصر مسك ختام جولتها الغنائية في أنحاء العالم احتفالًا بإطلاق الألبوم، على أن تستهل جولة جديدة مع بدايات العام المقبل.

IMG_1215

"رسول السودان"

ختامًا، توجهنا بسؤال غريب للسارة حول ما إذا كانت تجد في نفسها "رسول للفلكلور السوداني للعالم"، لتجيب بكل تلقائية: لا مقدرش أشيل المسئولية دى، وفيه ناس أجدر مني بحمل الرسالة دى، وأنا لا أمثل السودان، لأن مستحيل شخص واحد يمثلها بتنوعها وثقافاتها وتراثها، واكتفت بوصف نفسها تقدم ما تحبه وتؤمن به، وتحاول جاهدة وضع بصمتها على تراث بلدها وتقدمه بشكل جديد إلى العالم، دون الاعتماد على وصف "إعادة إحياء التراث السوداني" لأنه من وجهة نظرها "مكنش قصدي أحافظ ع التراث لأنه أصلًا ما مات، ولسه في عز شبابه، وفيه ناس شغلتها المحافظة عليه، أنا بس حبيت أسيب بصمتى وأبنى بيت خاص بيا بالمزيكا وسط وادي الفلكلور".

IMG_1388
 
b1c2cb44-949a-4979-aaa9-1a0997e25036

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر