الخواجة اليونانى «كـوستاسيوس أندريـا».. صانــع «الدلع» فى المنصورة

بار بار
 
أحمد رمضان الديباوى

على الرغم من أن أعدادا كبيرة من اليونانيين قد استقروا فى مدينة الإسكندرية، ربما منذ العام 1843، فاتخذوها مستقرا ومقاما يذكّرهم ببلادهم المطلة هى الأخرى على ساحل البحر المتوسط، إلا أن أعداد لا بأس بها منهم قد استقروا فى مدينة المنصورة، فقد كانت مدينة المنصورة إحدى المدن المصرية التى قطنها اليونانيون ربّما منذ العام 1840؛ فقد كانت الجالية اليونانية بها لا تقلّ أهمية عن الجالية اليونانية فى الإسكندرية، وإن فاق عددهم فى الإسكندرية عددهم فى المنصورة، إلا أن الثقافة اليونانية القائمة على التجارة والاقتصاد لم تكن حِكرًا على الإسكندرية فقط، بل امتدّت لتشمل سائر المدن المصرية التى اتخذها اليونانيون موطنًا لهم، كالزقازيق وطنطا وميت غمر وبورسعيد وأسيوط.

 كان اليونانيون (شُطّارًا) للغاية فى التجارة وجمْع المال من خلال إنشاء البارات والقهاوى ومحلات البقالة والخردوات ومطاحن البُنّ والمخابز الإفرنجية، ولم يكن الخواجة "كوستاسيوس أندريا" بِدعًا فى ذلك؛ فالرجل قطن المنصورة، واختلط بأهلها ووُجهائها وانطلق لسانه باللهجة المصرية الممزوجة بالرّطانة اليونانية المشهورة، وبنظرته التجارية الثاقبة اختار، فى العام 1920، على بحر المنصورة (النيل) فى مقابل كوبرى طلخا الذى يربط بين المنصورة وطلخا، موقعا لافتتاح مقهى وبار يحمل اسمه (أندريا)، ليكون هذا المقهى - تقريبا - هو الثانى فى مدينة المنصورة بعد المقهى الأهلية المعروفة حاليّا باسم (قهوة معروف) فى السكة الجديدة.

 كان مقهى (أندريا) بداخله (بار) مُرخّص يقدّم الخمور والبيرة للمواطنين اليونانيين والمصريين على السواء، وصار قبلة لمواطنى المنصورة وغيرهم؛ خصوصا أن موقعه كان متميزا، بالإضافة إلى أن الخواجة "أندريا" استغلّ إطلال المقهى على النيل بأن أعدّ مُلحقًا للمقهى على النيل تحفّه وتغطيه الأشجار، مما جعل كثيرين يفضّلون قضاء أماسيهم ولياليهم فى هذا المقهى ذى الموقع الجميل.

 ولم يكن مقهى "أندريا" مقهى عاديًّا، فإلى جانب خدمته الممتازة ونظافته، كان موئلا لكبار تجار القطن والعقارات والأراضى، فقد كانت المنصورة - آنذاك - مركزا لتجارة القطن فى الدلتا، كما كان قبلةً لبعض الكُتاب والفنانين، خصوصا أبناء محافظة الدقهلية، فقد شهد مقهى "أندريا" زيارات مكرورة للكاتب أنيس منصور وأم كلثوم وفاتن حمامة.

بِيعَ المقهى فى العام 1958، لأحد المصريين، وكان من حظّ الخواجة أندريا أن المصرى الذى اشترى مقهاه أوصى ورثته بعدم إزالة اسم "أندريا"، ليبقى اسمه خالدا حتى الآن، على الرغم من أن حالة المقهى حاليّا ليست على ما يُرام، فالمبنى العتيق ذو الطابقين، الذى يضمّ المقهى ومقرّ حزب التجمُّع بالمنصورة، قد تأُثّر كثيرا بتفجير مديرية أمن الدقهلية (ديسمبر 2013) الكائنة إلى جواره، ومظاهر الخدمة الممتازة فيه قد تلاشت أوتقلّصت، فلم يعُدْ مقهى "أندريا" مكانا للبهجة والوَنَس كما كان، بل صار مقهى عاديّا يشتكى روّاده من صعوبة دخوله بسبب السيارات الكثيرة المركونة التى تسدّ مدخله!!

 لا يمكن – إذن – إغفال التأثير اليونانى فى مصر، خصوصا منذ النصف الأول من القرن الماضى وحتى الآن، فعلى الرغم من وجود جاليات أجنبية أخرى غيرهم، كالإنجليز والإيطاليين والأرمينيين والسويسريين، بيْــد أن التأثيرات اليونانية فى الثقافة المصرية كانت هى الأقوى، فوجودهم كان قويا وثقافتهم كانت طاغية ملموسة، ولعلنا نصادف، فى أفلامنا العربية القديمة، أسماءً وشخصيات يونانية متعددة، فمعظم الأفلام المصرية القديمة فيها شخصية رجل يونانى يمتلك محل خردوات أو مطعم أو كازينو أو حانة أو يعمل نادلا أو ترزيا، وقد استحوذت المنصورة، عروس الدلتا، على حبّ اليونانيين أيضا، فكان مقهى "أندريا"، وكان "حلوانى راندوبلو"، محل الحلويات الأشهر فيها فى الخمسينيات، الذى طواه الزمن مع غيره من أنشطة وآثار وأعمال اليونانيين فى مصر.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر