قصة العشق بين الشيخ محمد صديق المنشاوى وأم كلثوم

أم كلثوم والشيخ محمد صديق المنشاوى أم كلثوم والشيخ محمد صديق المنشاوى
 
أحمد رمضان الديباوى

من أسرة عريقة فى تلاوة وتجويد القرآن الكريم، خرج الشيخ "محمد صريق المنشاوى"، ليكون واحدًا من كبار القرّاء فى مصر والعالم العربى كله، وكأنه ورث حلاوة صوت، وأصالة صنعة تلاوة القرآن من "سلسال" أسرته، التى عُرف عنها الخشوع فى التلاوة، وهو الخشوع الذى اكتسب سمْتًا كساه الحُزن والوقار، بل كسَاه زهدا فى المال؛ ذلك أن الشيخ الجليل لم يؤثَر عنه أنه طلب أجرًا محدًّدا نظير تلاوته القرآن. وُلِد فى العام 1919 الشيخ محمد صديق المنشاوى فى قرية البواريك، التابعة لمركز (المنشأة)، أو (المنشاة) بدون همزة، أحد المراكز التابعة لمحافظة سوهاج، ونشأ فى أسرة عُرفت بحفظ القرآن وتلاوته، أبا عن جد، فورث عنها حبّ القرآن، وخشوع التلاوة، وامتاز عن قرّاء أسرته جميعهم، وعلى رأسهم والده الشيخ صديق المنشاوى، بكونه أكثرهم إتقانًا لمقامات التلاوة، وكأنه تخرّج فى معهد الموسيقى العربية، حتى أنه مزج بين إجادة المقامات وربطها بمعانى وألفاظ الآيات القرآنية.

 

ام كلثوم (2)

"الصوت الباكى"، كان أحد أشهر ألقاب الشيخ محمد صديق المنشاوي؛ نظرا لخشوعه التام وهو يقرأ ما تيسر من آى القرآن، سواء أمام جمهور المستمعين مباشرة، أو وهو يسجّل بصوته فى الإذاعة، فللشيخ – رحمه الله – تسجيلا كاملا للقرآن الكريم مرتَّلا برواية حفص عن عاصم، وهى الرواية المشهورة فى مصر، بخلاف الختمة القرآنية الإذاعية المجوَّدة، لكنها لم تكن كاملة، وممما يؤسف عليه أن طائفة كبيرة منها قد فُقد الآن نتيجة إهمال المسؤولين فى الإذاعة طوال السنوات السابقة، خصوصا مع وفاة الشيخ فى سن صغيرة، كما كان للمنشاوى قراءة أخرى برواية "الدُّورى”، لكنها بالاشتراك مع الشيخين كامل البهتيمى وفؤاد العروسى، ولعل جلال الخشوع الذى كان يكسو صوته، هو ما امتاز به بين أقرانه كلهم، فجعله ذلك الخشوع أقرب إلى قلوب وأفئدة المستمعين قبل آذانهم، وهذا الخشوع هو الذى جعل كثيرين يطلقون عليه "الصوت الباكى”، لكنه فى حقيقة الأمر لم يكن بكاءً، بل تأثُّرًا بجلال القرآن، وحرصه على ربط المعانى المختلفة للآيات القرآنية بالمقامات المناسبة لها، ونبرات الأصوات المحاكية لكل موقف، فالشيخ الجليل كان يقرأ من القلب لا من اللسان، وهذا هو سرّ ارتباط الخاشعين المتذوقين للقرآن به، دون غيره من القرّاء!

 سيطر الشيخ محمد صديق المنشاوى على مملكة تلاوة القرآن الكريم فى مصر والعالم العربى طوال حقبة الخمسينيات، ومما يلفت الانتباه فى مسيرته أن الإذاعة انتقلت إليه، فى مطلع شبابه وقبل شهرته، بمعداتها وفنييها ومهندسيها لتسجيل قراءاته، خصوصا مع رفضه خوض اختبار الإذاعة المصرية لاعتماده قارئا كغيره ممن خاضوا الاختبار، فكان الشيخ المنشاوى أول قارئ تنتقل إليه الإذاعة وتعتمده فى محله الخاص لا فى استوديوهاتها، ومما يؤثَر عن والده الشيخ الجليل صديق المنشاوى، أنه قال: "يكفى الإذاعة المصرية من عائلة المنشاوى ولدى محمد"، وهو اعتراف دامغ على نبوغ ذلك الشيخ وتفرّده، وكما سجّل للإذاعة المصرية، فقد سجّل أيضا لإذاعة سوريا ولندن، فضلا عن مواظبته على قراءة القرآن فى مسجد الزمالك، كقارئ مكلَّف من قِبَل وزارة الأوقاف.

 

ام كلثوم (3)

 كان الشيخ محمد يعشق صوت أم كلثوم، فكان يصف صوتها بالقوة والفخامة، كما كان صوت الشيخ "طه الفشنى" محببا إليه، خصوصا وهو ينشد التواشيح الدينية التى اشتُهر بها، كما كان يعشق تلاوة الشيخ محمد رفعت للقرآن، ولعله كان الصوت الوحيد الذى يسمعه عندما يختلى بنفسه.

 

ام كلثوم (1)

وظل الشيخ محمد المنشاوى يقرأ ويمتع مستمعيه بتلاواته الخاشعة حتى وافته المنية ولمّا يكمل الخمسين من سِنِيه؛ إذ توفّى فى العشرين من يونيو عام 1969، متأثرا بمرض دوالى المرىء، وهو المرض الذى لازمه فترة طويلة من حياته، وعلى الرغم من تحذير الأطباء له بعدم إجهاد نفسه فى القراءة، حتى لا يُثار المرىء، إلا أنه واصل قراءاته، حتى وافاه الأجل، قبل أن يسافر – بأوامر من الرئيس عبد الناصر – إلى لندن لتلقى العلاج، وقد تأثّر والده الشيخ الجليل صديق بوفاة ابنه محمد، لكنه عاش حتى وفاته يستمع إلى تسيلات ولده التى أبكته كما أبكت ملايين المستمعين حول العالم.

 

المنشاوى (1)
 
 
المنشاوى-(2)
 
 
ام كلثوم (1)
 
 
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر