تاريخ مصر مكتوب فى رحلة «الكازوزة»

الخواجة الخواجة
 
أحمد رمضان الديباوى

من جزيرة "سيفالونيا" اليونانية، جاء إلى مصر الخواجة اليونانى "سبيرو سباتس"، وبعد بضع سنوات من إقامته بها، أنشأ، 1920، فى نمرة 8 بشارع خليج الخور بالقرب من شارع عماد الدين مصنعا لإنتاج "الكازوزة" والصودا والشربات، ولم يكن صعبا عليه اختيار علامة تجارية مميّزة لمنتجاته؛ فاختار "النحلة"؛ لأنه عاش طوال صباه ومراهقته عاملا فى مناحل العسل التى كانت تشتهر بها الجزيرة اليونانية "سيفالونيا".

كان الخواجة "سبيرو سباتس" يمتاز برُوح المغامرة والتصميم على النجاح؛ فقد كان يُدرك منذ اللحظة الأولى صعوبة منافسة شركة "كوكاكولا" الضخمة التى تغزو منتجاتها من المياه الغازية مصر كلها، فما كان منه إلا الاعتماد على أن تكون منتجاته من الحاجة الساقعة طبيعية؛ فغزت منتجاته من الليمون والصودا والشربات الأسواق المصرية -آنذاك - حتى إن القصر الملكى بات يعتمد عليها، فكانت النتيجة اشتهار ماركة "النحلة" التجارية كعلامة مميزة للمشروبات الغازية المُنعِشة، وامتدّ توزيع منتجات المصنع إلى معظم أنحاء القُطر المصري، وقتذاك، سواء من خلال سيارات التوزيع أو من خلال قطارات السكة الحديد، ما يعنى أن منتجات ذلك المصنع العملاق كانت تصل إلى أبعد مناطق مصر، خصوصا الصعيد، وهو ما يجعلنا نؤكد أن مصنع "سبيرو سباتس" كان من أكبر المنشآت الصناعية فى مصر، فى وقت كانت الصناعة المصرية فى طور التكوين والنشوء.

استمرّ مصنع الخواجة "سبيرو سباتس" فى إنتاج الكازوزة ومشروبات الليمون والصودا حتى بعد قيام ثورة 1952، وظلّ صامدًا فترة طويلة من الزمن، وكان فى مأمن من قرارات التأميم التى اتّخذها عبد الناصر منذ عام 1961، ولكن يبدو أن قرارات الانفتاح الاقتصادى التى اتخذها الرئيس السادات فى منتصف السبعينيات هى التى عجّلت بأفول نجم مصنع "سبيرو سباتس"، لصالح المصانع العالمية!!

ومن الحكايات الطريفة المرتبطة باسم "سبيرو سباتس"، ارتباط اسمه بهُتاف عرفه المصريون فى الستينيات، وهو (سبيرو سباتس خان الشعب.. جاب له الوكسة ووجع القلب!"، فهل فعلا كان الخواجة "سباتس" خائنا للشعب المصرى فعلا؟!، الحكاية وما فيها أن خفة دم المصريين وذكائهم الفطرى هو سبب ذلك الهُتاف؛ إذ بعد نكسة 67 خرجت مظاهرات مختلفة تندّد بالهزيمة، وبمسؤولية الرئيس جمال عبد الناصر عنها، ولما كانت قوات الأمن تحاصر تلك المظاهرات، وتضيق الخناق على المتظاهرين، كان المخرَج "سبيرو سباتس"؛ فقد تصادف أن حاصر الأمن إحدى المظاهرات التى كان يقودها أحد الشباب حاملا فى يده زجاجة "سباتس"، فلما ضاق الخناق عليه، وأحسّ بقبضة الأمن، استخدم ذكاءه الفطري، فهتف قائلا وهو يرفع زجاجة الحاجة الساقعة: (سبيرو سباتس خان الشعب....!)، ليهتف المتظاهرون من بعده، قاصدين، فى داخلهم، جمال عبد الناصر لا الخواجة اليوناني!!

توجد الآن فى بعض المحلات القديمة بشبرا ومصر الجديدة زجاجات تحمل شعار "النحلة" وعليها اسم "سبيرو سباتس" بالخط الفارسى المميَّز، وقد شربتُ، فى منتصف الثمانينيات، وأنا صغير، من إحدى تلك المحلات زجاجة "سبيرو" بطعم الليمون، كانت مع زجاجات مشروبات غازية أخرى فى ثلاجة خشبية بداخلها ثلج مجروش.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر