محمد عبدالغنى السيد يكشف"الحلوة والمرة" فى حياة والده البلبل الباكى

 محمد عبدالغنى السيد محمد عبدالغنى السيد
 
حوار زينب عبداللاه - تصوير أحمد معروف
لماذا انتقم من يوسف إدريس وأسرار الساعات الأخيرة فى حياته وأخر كلمات قالها قبل وفاتهالابن : والدى تنازل عن "صافينى مرة" للعندليب ومسلسل حليم ظلمه  أهل الفن تخلوا عنا بعد وفاته وأمى كافحت وحصلت على لقب الأم المثالية ولم يقف بجوارنا سوى الموجى وعلى اسماعيل
 
 
فى غرفة الرعاية المركزة بينما يلتقط أنفاسه بصعوبة مر أمامه شريط حياته القصيرة التى شهدت أحداثا تفوق عدد سنوات عمره ، يتمتم بكلمات أغنيته الشهيرة "عالحلوة والمرة مش كنا متواعدين" ، فتنساب الدموع من عينيه وهو يحصى عدد السنوات "المرة " فى حياته ، يضع يده على صدره فيشعر بآلام لاحقت جسده وهو طفل لم يتجاوز الثامنة حين اعتادت زوجة أبيه تعذيبه وسكب المياه الساخنة على جسده ، يتوقف عند ذاك اليوم حين رقد يبكى ويتألم على سريره بعدما التصقت ملابسه بحروق جسده ، ودخل عليه والده ليراه بهذه الصورة ويقرر إعادته لوالدته التى انفصل عنها.
 
 يلتقط الفنان عبالغنى السيد أنفاسه بينما تقف إلى جواره زوجته وأطفاله، فيرى فصولا أخرى من حياته يختلط فيها الشقاء والقهر بالنجومية والتألق، وسامة غار منها الملك فاروق الذى أجبره على تطليق زوجته ، وصوت نافس أكبر عمالقة الطرب وتفوق عليهم ، ومحبة جمعت حوله كل أبناء الوسط الفنى من مطربين وملحنين وأدباء وشعراء.
 
تضعف أنفاس البلبل الباكى ويقول لزوجته بصوت ضعيف " بكرة هاتيلى الطاولة علشان عاوز ألعب مع بليغ وعلى اسماعيل" ، ثم يبتسم ويقول لها :" ياشجون أنا رايح حفلة هاغنى للست ومفيش مطرب هيغنى زيى "،ترد الزوجة :" قصدك الست أم كلثوم" ، فيبتسم قائلا: " لا ستنا عائشة " ثم يفظ أنفاسه الأخيرة ليتم دفنه فى مقابر السيدة عائشة.
 
محمد عبد الغنى السيد (1)
 
تدمع عين الابن محمد عبدالغنى السيد وهو يكشف تفاصيل الأيام والسنوات " المرة" التى عاشها والده وعاشتها زوجته وأبنائه من بعده، ويضحك حين يتذكر سنواته الحلوة التى ملأ فيها الدنيا طربا وضحكا ومواقف ساخرة ومقالب كان أبطالها عمالقة الأدب والغناء والفن.
 
وفى الحوار التالى يكشف ابن البلبل الباكى أسرار علاقة أبيه بالموسيقار محمد عبدالوهاب وكيف هزمه مرتين ، وساهم فى نجاح واكتشاف العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ، وأسرار علاقة عبدالغنى السيد بالمطربة نجاة وكيف ثأر لكامل الشناوى من يوسف إدريس ، ولماذا أجبره الملك فاروق على تطليق زوجته ، وكيف تسببت تحية كاريوكا فى وفاته ، والمأساة التى عاشتها أسرته من بعده ، خاصة بعدما انفض عنها أقرب المقربين من أهل الفن..وإلى نص الحوار :
 
حدثنا عن نشأة الوالد وطفولته ؟
ينتمى والدى لأسرة بسيطة وهو من مواليد 16 يونيو 1908 ، وكان والده يعمل فى الموبيليا ، وانفصل عن والدته وتزوج بأخرى وأنجب منها 5 أبناء، كلهم يعملون فى الموبيليا ، ولم يكمل والدى تعليمه وأخذه والده ليعيش معه كما علمه مهنة " الاستورجى"، وعانى والدى فى طفولته من معاملة زوجة أبيه التى كانت تعذبه وتحرق جسده بالمياه المغلية ، وفى إحدى المرات دخل والده عليه ليلا فوجده يبكى فرفع الغطاء ليجد ملابسه التصقت بجسده المحترق ، فطلق زوجته وأعاد أبى ليعيش مع والدته التى لم تتزوج وعاشت لابنها الوحيد ، وكان أبى يعمل لينفق على نفسه وعلى والدته ، وبالرغم من أنه لم يكمل تعليمه إلا أنه كان يقرأ ويكتب جيدا ويتميز بجمال الخط ، وترك بعد وفاته مكتبة كبيرة بها كتب هامة ومنها كتب مصطفى محمود الذى كان صديقه ، وكان يحب الرسم ، وعمل فى محلات على خليل للموبيليا.
 
محمد عبد الغنى السيد (2)
 
وكيف بدأت مواهبه الفنية ومشواره فى الغناء؟
تعرف زكى مراد والد ليلى ومنير مراد والذى كان مطربا على أبى من محل الموبيليا ، وسمعه وهو يغنى أثناء عمله وأعجب بصوته ، فأخده إلى منزله وتبنى موهبته وكان يدربه مع ابنته ليلى مراد التى كانت فى عمر والدى تمارين قوية للصوت ، وكان يأخده معه إلى الحفلات والأفراح والسرادقات ، ولم يكن هناك ميكرفونات فلفت والدى الانتباه بصوته الذى يجمع بين القوة والعزوبة ، ويطلق على هذا النوع من الأصوات "باريتون" ويصلح للمسرح الغنائى والأوبرا ، كما ساعده  زكى مراد على أن يغنى فى الإذاعات الأهلية قبل افتتاح الاذاعة ، وعمل والدى بعض الاسطوانات مع شركة بيضافون وهى شركة فرنسية وكذلك شركة أوديون الانجليزية ، وكان رياض السنباطى يعزف على العود معه ويلحن له، ومن هذه الاسطوانات اسطوانة "نسيت ياحبى بعد اللى كان صحيح يادنيا مالكيش أمان"، وكان ذلك فى الثلث الأخير من العشرينات ، وحققت الاسطوانة نجاحا وانتشارا مذهلا وباعت فى مصر وفرنسا  أكثر من مليون نسخة ، وحصل الدى عنها على الجائزة البلاتينية من شركة بيضافون كأول مصرى وعربى يحقق هذا الرقم فى المبيعات ، حتى أن شفيق جلال قال لى بعد وفاة أبى أن هذه الاسطوانة استطاع بسببها أن يكسب حب بنت أحد الباشوات التى كانت تبحث عنها  فحصل عليها واستطاع أن يحصل على موعد مع بنت الباشا ليمنحها الاسطوانة، وحقق أبى شهرة  واسعة قبل بدء الاذاعة ، وعندما افتتحت الإذاعة كان أبى من أوائل الأصوات التى افتتحتها بعد الشيخ رفعت وأم كلثوم وعبدالوهاب.
 
وماذا عن عمله بالسينما والمسرح ؟
فى هذه الفترة كانت منيرة المهدية مكسرة السوق قبل شهرة أم كلثوم ، وكانت تقدم مسرحية مصرع كليوباترا التى لحنها سيد درويش واستكملها عبدالوهاب و كان يمثل فيها ، ولكنه سافر إلى لبنان أثناء العرض، فسألت منيرة المهدية  زكى مراد عمن يمكن أن يحل محله، فنصحها بعبدالغنى السيد ، مؤكدا أنه أقرب صوت لعبدالوهاب، ويتميز بوسامته وإعجاب الفتيات به ، فاستعانت به وحقق نجاحا كبيرا أدى إلى زيادة مدة العرض، وعندما عرف عبدالوهاب جاء بسرعة ليرى عبدالغنى السيد  الذى حل محله وحقق هذا النجاح ، وعندما سمعه انبهر به ونشأت بينهما صداقة كبيرة ، وأصبح عبدالغنى السيد مطرب فرقة منيرة المهدية التى كانت أكبر فرقة وقتها ، وبعدها عملت مجلة الاثنين استفتاء عن أحب مطرب لقلوب المستمعين فى أوائل الثلاثينات ففاز عبدالغنى السيد  بالمركز الأول ثم عبدالوهاب ثم صالح عبدالحى ، ولذلك قال عنه عبدالوهاب أنه هزمه مرتين ، وكان منافسا قويا وصوتا لا يمكن تقليده ، وكانت صورة عبدالغنى السيد دائما غلاف لمجلة الإذاعة، ولحن له السنباطى ومحمد عبدالوهاب والقصبجى ، ولكن غلطة عمره أنه  اهتم بالاذاعة أكثر من اهتمامه بالسينما ، فى حين حقق المطربون الذين اهتموا بالسينما شهرة أوسع مثل محمد فوزى وفريد الأطرش ، وتجاوز رصيد والدى فى الاذاعة أكثر من 800 اغنية ، وفى السينما كان رصيده  16 فيلما فقط  تنوعت أدواره فيها بين التمثيل والغناء ، ولم يقم بدور البطولة سوى فى 6 أفلام، وهى :"شيئ من لا شي، وشارع محمد على ، وراء الستار ، الكيلو 99 ، ضحيت غرامى".
 
 
وما أكثر أغانيه التى حققت شهرة فى هذه الفترة ؟
كانت نجاحات والدى متلاحقة وفى الثلاثينات قام ببطولة فيلم شارع محمد على وأحدثت أغنيته " ياولا ياولا..يابتاع التفاح" ضجة واسعة ،وكان هذا الفيلم علامة من علامات السينما، لأنه أول فيلم غنائى يقدم قصة تم تقليدها بعد ذلك فى كل الأفلام ، مطرب ومطربة يرتبطا بعلاقة حب ويحققان الشهرة معا وينفصلا ثم يعودا من جديد ، وبعدها تم تقليد هذه القصة فى كل الافلام الغنائية ، وقدمها عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ، كما قدم والدى أغنية " أه من العيون" لرياض السنباطى ، وبعده طورها محمد فوزى وقدم أغنية "دارى العيون" ، وكان عبدالغنى السيد رائدا وبداية لكل تطور، كما قدم أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش ، ودور الكاهن فى أوبرا عايدة مع أم كلثوم بسبب قوة صوته ، وحققت كل أغانيه ومنها أغنيته البيض الأمارة نجاحا كبيرا ، كما لحن لنفسه عددا من الألحان.
 
محمد عبد الغنى السيد (3)
 
ولماذا أطلقوا عليه اسم  البلبل الباكى ؟
لأن أغانيه كانت مودرن وحديثة وحزينة ، ومنها أغنية "العشرة صعبانة عليا"  التى لحنها فريد غصن معلم الرحبانية ، وبعده غنتها  فيروز ونجاة الصغيرة، التى يعرفها منذ طفولتها وكانت تزوره مع شقيقها الملحن عز الدين حسنى وسمح لها بغناء أغنيته "عالحلوة والمرة"، وكانت الصورة الوحيدة التى تجمعنى بأبى بعد مولدى مباشرة تحملنى فيها نجاة.
 
حدثنا أكثر عن علاقة والدك بموسيقار الأجيال وحقيقة ماردده البعض بأن عبدالوهاب كان يعطيه نصائح ضارة ؟
أبى كان يتميز بقدرة فائقة على التقليد ، حتى أن منير مراد الذى اعتاد تقليد الفنانين كان يرفض تقليد أبى ويقول لو قلدته سيقلدنى ويتفوق على ، وكان عبدالوهاب يستفيد من قدرة أبى على تقليد الأصوات فى اختبار المواهب الجديدة ، وحين يأتيه مطرب جديد فى السهرات التى يجتمع فيها مع والدى يطلب من أبى أن يقلده ، فإذا قلده بالسلب لا يتحمس له عبدالوهاب ، وإذا قلده بالإيجاب يتبناه موسيقار الأجيال ، فكان عبدالغنى السيد العداد الخاص بعبد الوهاب ،ومن هؤلاء الذين أجازهم أبى فطاحل الفن وأهمهم عبدالحليم ، حيث حضرأبى أول جلسة بين عبدالوهاب والعندليب  ، وعندما سأله عبدالوهاب عن رأيه فى صوت عبدالحليم قال له :" الولد ده حكاية ماتسيبهوش ياعبدة ده الصوت الواعد الجديد ".
 
لكن ردد البعض وجود مشاعر غيرة بين عبدالغنى السيد وعبدالحليم؟
هذه كلام عار من الصحة ، حيث كان والدى يحب عبدالحليم ويشجعه، وعندما لحن الموجى أغنية صافينى مرة أعطاها لوالدى ، وبمجرد سماعها قال له أبى :"هذه الأغنية لعبدالحليم"، كما كانت مارى كوينى تحب والدى وقدمت معه فيلم "ضحيت غرامى " ، وعندما أرادت عمل فيلم غنائى أخر قام بتلحينه كمال الطويل أرادت الاستعانة بأبى فرشح لها عبدالحليم ، وعندما ترددت أقنعها وهذا شهادة من كمال الطويل فى حديث مسجل بالاذاعة ، وغنى عبدالحليم اللحن وشكر والدى ، ولكن للأسف عائلة العدل عندما قدموا مسلسل حليم ظلموا والدى وزوروا التاريخ وادعوا أن  أبى وعبدالعزيز محمود كانا يحاربان حليم ، ورفعت عليهم دعوى قضائية، وهو ما فعله على ومصطفى أمين الذين ظلما عبدالغنى السيد، رغم أن أبى كانت علاقته قوية بالعندليب وكان يجب صوته وله العديد من الصور وهو يحتضنه ويجلس معه أثناء مرضه وكان يعتبره ابنه ، ف كان والدى فى الخمسينات وحليم فى العشرينات ، وعندما توفى والدى كان حليم يغنى فى حفلة للجيش وبكى على المسرح وقال لن أغنى إلا أغنية " فى يوم فى شهر" التى كان يحبها والدى جدا ويطلب منه غنائها دائما ويبكى عندما يسمعه.
 
محمد عبد الغنى السيد (5)
 
حدثنا عن قصة أغنية عالحلوة والمرة ؟
الشاعر مأمون الشناوى وجد فى جيبه ورقة مكتوب فيها كلمات أغنية عالحلوة والمرة فتعجب وسأل الخادمة وعرف منها أن المكوجى يعاكسها ويرسل لها شعر فى جيوب الملابس، فناداه وسأله عن مصدر هذه الكلمات وعرف أنه هو الذى ألفها ، فسأله إن كان يستطيع استكمالها وبالفعل استكمل المكوجى كلمات الأغنية وأخذها مأمون لمحمود الشريف فلحنها وقال عبدالغنى السيد يغنيها ، وبعدها تعرف أبى على المكوجى الذى أصبح فيما بعد الشاعر سيد مرسى وألف له عدد من الأغنيات.
 
وماذا عن الجانب الشخصى والعاطفى  فى حياة الوالد وقصة زواجه؟
تزوج والدى ثلاث مرات، الأولى من إحدى قريباته وأنجب منها بنتين زينب وبثينة ، ولكنهما انفصلا ، وبعدها ارتبط بعلاقة حب مع ابنة وزير وتزوجها ولكن بعد اسبوع من زواجهما أصدر الملك فاروق أمرا بطلاقه منها حتى لا تصبح عادة بزواج البسطاء ببنات الأعيان والوزراء ، فطلقها والدى رغم حبه لها رغما عنه ، وكان الملك يغار من أبى لوسامته وإعجاب الفتيات والسيدات به ، كما كان يغار من رشدى أباظة ، ولم يغنى والدى مطلقا للملك كما فعل عبدالوهاب ،حتى عندما كان يحضر الملك إلى  كازينو بديعة الذى يغنى فيه والدى، وبعد طلاقة من ابنة الوزير تعرف بجدتى " فاطمة الشنطورية" التى كانت تغنى وتعزف عود وكمنجة ، وأعجب بابنتها وتزوجها وأنجب منها  ثلاث أبناء ليلى وإيمان وأنا أصغرهم ، فأنا ابنه الوحيد.
 
 
وكيف كانت علاقته بالثورة وعبدالناصر ؟
كان أبى يحب عبدالناصر حبا كبيرا حتى أنه كان عندما يطلب المعجبون توقيعه كان يوقع على صورة عبدالناصر، وغنى 32 أغنية للثورة ولجمال ،والتقاه فى الحفلات التى غنى فيها للثورة كما غنى أغنية جماعية مع عبدالوهاب وشادية وسعد عبدلوهاب وعبدالعزيز محمود وعبدالمطلب فى عيد الوحدة ، وكان هذا أول أغنية جماعية لعبدالوهاب.
 
 
حدثنا عن صفاته وشخصيته؟
رغم ما مر على والدى من أحزان كان يحب الضحك والمرح والمقالب ، وفى إحدى المرات عمل مقلبا فى صديقه الأديب يوسف إدريس الذى كان يحب نجاة الصغيرة ، لأنه تعاطف مع كامل الشناوى الذى كان يعشق نجاة ويتعذب بسبب إعجاب إدريس بها ، فوعده والدى أن يدبر مقلبا فى يوسف إدريس ، وبالفعل استغل موهبته فى التقليد واتصل بإدريس وظل فترة يتحدث معه تليفونيا على أنه فتاة معجبة به ، ثم أعطاه موعدا فى جروبى ونصحه أن يرتدى بدلة بيضاء ويضع وردة حمراء ، وفى الموعد المحدد اصطحب الشلة ومعهم كامل الشناوى وذهبوا إلى جروبى، وعندما وصل إدريس قابله والدى وقال له تعالى اجلس معنا ، فقال له اتركنى الأن لأن لدى موعد هام ، فإذا بوالدى يقلد صوت الفتاة ويقول له عندك ميعاد مع فلانة ، فانفجر الجميع فى الضحك وخاصة كامل الشناوى.
 
محمد عبد الغنى السيد (4)
 
وفى إحدى المرات جاء شخص لوالدى يقول له إنه يستطيع قراءة الكف ، فقال له والدى غدا تعالى لتقرأ الكف لمحمود الشريف وأعطاه كل التفاصيل عن حياته واسم والده ووالدته ، وقال له قل له هذه التفاصيل وخذ منه 10 جنيهات ، وعندما فعل الرجل ذلك انبهر به محمود الشريف ، وظل الرجل يأتى لوالدى كل صباح ليعرف تفاصيل جديدة عن الشريف ليقولها له ويأخذ منه العشرة جنيهات ، وفى النهاية اعترف والدى لمحمود الشريف ، وكان محمود الشريف يقول من لم يرى عبدالغنى السيد ينظر إلى أنور وجدى ، الذى كان يقلد والدى فى كل شيئ ، وكانا من أعز الأصدقاء لأنه تزوج ليلى مراد التى كان يعتبرها والدى أخته، وكثيرا ما كان والدى وأنور وجدى يدبران المقالب لها ، وكان بيتنا دائما مليئا بالفنانين الذين كانوا يحبون والدى حبا كبيرا ، و كان والدى عاطفى جدا ، ويحرص على جبر الخواطر وخاصة الفقراء ، وإذا جلس فى مكان به مجموعة سيدات يحرص أن يقول كلمات المجاملة لأقلهن جمالا ، وظل محتفظا بهواية تلميع الموبيليا.
 
حدثنا عن أواخر أيامه وملابسات وفاته؟
كان أبى محبوبا و يلجأ له زملائه فى أزماتهم ، حيث لجأت إليه صباح حين أرادت الطلاق من أنور منسى وبالفعل تدخل وأقنع منسى ، وساعدها فى ضم ابنتها هويدا ، وفى يوم وفاته اتصلت به تحية كاريوكا وهى تصرخ وكان والدى نائما ،ووقتها كانت متزوجة من فايز حلاوة وبينهما مشاكل ، وقالت له " تعالى طلقنى منه" ، فأسرع أبى ليحاول تهدئة الأمر بينهما ، فاحتدت عليه قائلة: " أنا جايباك علشان تطلقنى مش تصالحنى" وشتمته ، فانفعل والدى وسقط وأصيب بجلطة وأزمة قلبية حادة ، فأخذوه مستشفى العجوزة ، ولم يكن بها اسطوانات أكسجين ، ولكن غير صحيح ما تم تداوله من أن عبدالوهاب وعبدالحليم نشرا استغاثة فى الصحف يطلبان اسطوانة اكسجين ، ولم يقف معنا فى المستشفى سوى محرم فؤاد وبليغ حمدى وعبدالوهاب محمد ، وانفض عنا كل اصدقاء والدى.
 
 
 
وماذا كانت أخر كلمات الوالد ووصايا؟
كان على اسماعيل من أقرب أصدقائه وكان وقتها مسافرا مع فرقة رضا إلى ألمانيا ، وكان والدى يسأل عنه وهو يحتضر " على جه" ، كما كان معتادا أن يلعب طاولة معه هو و بليغ حمدى وعبدالوهاب محمد ،وقبل وفاته قال لوالدتى هاتى الطاولة بكرة علشان ألعب مع على وبليغ ، ثم قال:  الست عاملة حفلة وطالبة مطرب كبير وماحدش هيغنى فى الحفلة دى غيرى أنا أحسن مطرب هيغنيلها، فقالت له والدتى الست أم كلثوم ، فرد :" لا ستنا عائشة الصغيرة مش الكبيرة" ، وبالفعل توفى فى 9 ديسمبر 1962 ولم يتجاوز عمره 54 عاما ،ودفن فى السيدة عائشة وتركنا وكان عمرى وقتها لا يتجاوز 7 سنوات واختى إيمان 9 سنوات وليلى 14 عاما.
 
 
 
وماذا فعلتم من بعده وأنتم فى هذا السن الصغير؟
عانت والدتى التى كانت فى الثلاثينات وقتها معاناة شديدة لتربيتنا، وأدار لها الجميع ظهورهم ولم يسأل عنا أحد حتى تحية كاريوكا وفايز حلاوة اللذان مات والدى بسببهما، ولم يترك أبى معاشا أو عقارات، وكنا نسكن فى شقة إيجار ، وكتب الصحفى عبدالفتاح البارودى وعصام بصيلبة مقالات يطالبون فيها بانقاذ أسرة عبدالغنى السيد ، دون جدوى ، فاشتغلت أمى وكافحت لتربيتنا ، و كانت جدتى والدة أبى على قيد الحياة وعاشت مرارة فقد ابنها الوحيد وماتت بعده بعام ، وكذلك كانت تعيش معنا جدتى لأمى ، ولم يقف إلى جوارنا سوى محمد الموجى وعلى اسماعيل ، وفى أحد الأيام طلبوا منا وأنا فى الخدمة العامة  كتابة قصص لأمهاتنا ، فكتبت قصة كفاح أمى ، ففازت بلقب الأم المثالية على مستوى الجمهورية عام 1982 ، وسلمتها الجائزة سوزان مبارك ، وتحسنت أحوالنا بعض الشيئ بعد قرار السادات عمل معاشات استثنائية لقدامى الفنانين،والتحقت أختى إيمان  بكلية التجارة وأنا بكلية الزراعة قسم كيمياء حيوية، ورغم أن لى ميول فنية وأعدت توزيع بعض أغانى والدى، إلا أننى فضلت العمل فى تخصصى وأسست شركة ليكون لى مهنة أتكسب منها ولا ألقى مصير أبى.
 
 
 
وماذا عن أرشيف الوالد بالاذاعة وهل ضاع بالفعل؟
وضع الأرشيف فى الإذاعة مأساوى فالشرائط ملقاة وغير مصنفة وأحيانا يتم التسجيل عليها ، وتتعرض للتلف، و استطعت الحصول على أرشيف والدى عن طريق الدكتورة منى جمال عبدالناصر التى كانت فى نفس مدرستى ولكنها أكبر وكانت تحب صوت والدى وأغانيه، وكانت هناك أغنية مفقودة وهى أغنية "أنا ماتنسيش"التى غناها أبى من كلمات عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدى قبل وفاته ب4 أيام وغنتها لطيفة بلحن أخر ، ووجدنا الشريط فى الاذاعة وقد تم تسجيل مادة أخرى عليه ، واستطعت الحصول على الأغنية من إحدى السيدات كان والدها يداوم على تسجيل أغنيات عبدالغنى السيد.
 
 
وهل حصل على التكريم الذى يستحقه ؟
لم يحصل أبى على تكريم بقدر مالحقه ظلم وإهانة بسبب الحكايات الغير حقيقة عنه، ولم يتم تكريمه فى عهد عبدالناصر رغم حبه الشديد له ، ولكنه حصل على تكريم فى عهد السادات ومبارك ، فولم يكن لدى جمال عبدالناصر وقت أو فرصة للتفكير فى تكريم الفنانين بسبب الاحداث المتلاحقة.
 
 

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر