أحمد رمضان الديباوى يكتب: يا متحرشين الشوارع اذهبوا للجحيم

التحرش التحرش
 
 لعل ظاهرة التحرش الجنسى بألوانه المختلِفة، أضحت أكبر الظواهر الاجتماعية، على الإطلاق، فى مصر، فما من يوم واحد يمرّ دون أن نقرأ أو نسمع أو نشاهد فى منصّات التواصل الاجتماعى، عن حادثة تحرش جنسى هنا أو هناك، إما بالقول أو بالفعل أو بالتعدى الواضح وصولا إلى الاغتصاب، الأمر الذى بات خطرا يهدد المجتمع المصرى كله، خصوصا مع تراجُع جودة التعليم، وتدهور المنظومة الأخلاقية والقِيمية، وضغوط الحالة الاقتصادية، فضلا عن قصور القانون والتباطؤ فى تنفيذ الأحكام المتعلقة بالمتحرشين.
 
 الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومى، أوضحَت فى تقرير حديث، أن نحـو 49% من الفتيات اللواتى يعشن فى المناطق الفقيرة فى مصر، يتعرضن للتحرش الجسدى واللفظى، بينما توضح إحصاءات المركز المصرى لحقوق المرأة أن 64% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية، و33% منهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة لكن ليس بصفة يومية، ما يؤكد الخطر المتزايد جرّاء انتشار تلك الظاهرة المجتمعية، التى أصبحت – للأسف الشديد – وصمة عار فى جبين مصر، خصوصا مع وجود دراسة عالمية حديثة أعدتها الأمم المتحدة تبيّن أرقامها ونِسَبها حجم وخطورة تلك الظاهرة القبيحة فى مصر؛ فنسبة 99.3% من العينة التى أجريت عليها الدراسة تشير إلى أن المرأة المصرية تتعرض للتحرش لمرة واحدة على الأقل بمختلف درجات التحرش بدءً من النظرة وصولا للملامسة الجسدية والاغتصاب، كما أن 93.4% من ضحايا التحرش يرفضن اللجوء للشرطة، و34.6% منهن يرفضن ذلك خشية من الفضيحة، و10.2% بسبب اعتقادهن أن آباءهن لن يصدقوا أقوالهن، بل سيوجّهون إليهن اللوم والتقصير، كما أوضحت الردراسة العالمية كذلك أن نحو 40% من حالات التحرش فى الشارع لم يتفاعل المارة بالإيجاب معها، كأنها أمرٌ أو واقعة عادية، فيما تظاهر 11% بعدم رؤيتهم لما يحدث، وبحسب الدراسة أيضا فإن 8% من ضحايا التحرش حاولن الانتحار!
 
 وبعيدا عن اقتراح سابق لم يرتضيه كثيرون لغرابته وحمله نوعا من التعذيب الجسدى العنيف، كانت قد تقدمت به النائبة زينب على سالم، عضو مجلس النواب، يتضمّن تغليظ العقوبات بحق المتحرشين وصولا إلى (إخصائهم) إذا ما تكرّر التحرش منهم، فقد وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون تقدمت به النائبة سوزى ناشد بشأن تغليظ العقوبات على المتحرشين، وهو قانون يختلف فى مواد عقوباته عن المادة 306 مكرر (أ)، التى تضمّنها قانون العقوبات المصرى، إذ ينص مشروع القانون الجديد على أن يُعاقب المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن سنة، بعد أن كانت 6 أشهر، فيما زادت عقوبة الحبس إلى مدة سنتين، فى حالة تكرار الفعل بعد أن كانت سنة واحدة فى القانون المعمول به حاليا، والذى يتيح الحبس حتى 5 سنوات كحدٍّ أقصى إذا كان المتحرش يحمل سلاحا يهدّد به الضحية أو غيرها من المارة وقت وقوع حالة التحرش، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القانون لم يخرج إلى النور بصورة نهائية، ولا نبالغ إذا قلنا: أن تغليظ وتشديد العقوبة على المتحرش لن يقضى بالطبع على ظاهرة التحرش فى مصر، قد تقل النسَب الكبيرة التى أشرنا إليها ونقلناها فى صدر هذا المقال، ولكن فكرة القضاء على التحرش ومواجهة المتحرشين لن تنتهى بين عشية وضُحاها، لأن القضية تلك تستلزم تغييرا واسعا فى المفاهيم، سواء من خلال مناهج التعليم، أو مناهج التربية والسلوك، أو تغيير نظرة المجتمع كله تجاه المرأة، ما يستلزم تغيير المحتوى الإعلامى والتعليمى والدينى.
 
 وقد كان بيان الأزهر الأخير، الصادر عن المشيخة، بعد إذ قام أحد المتحرشين، فى أحد شواطئ الإسكندرية، بقتل رجل طعنا بسلاح أبيض لأنه لامه على تحرشه بزوجته، بيانا معتدلا وراقيا ومختلفا، ولا سيما أن البيان حرّم التحرش عموما ولم يتقيد كاتبه بما إذا كانت الفتاة ترتدى ملابس مثيرة أم لا، لأن الوعى الجىعى فى مصر وغيرها من البلدان العربية اعتاد على تحميل الفتاة أو المرأة مسؤولية التحرش بها، على الرغم من أن التحرش يحدث لجميع الفتيات والنساء ولو كنّ محجبات أو منتقبات!
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر