«عيار نارى».. أصاب أم أخطأ؟ ما هى الحقيقة؟

فيلم عيار نارى فيلم عيار نارى
 
تحليل تكتبه سارة فؤاد
67053-سارة 

هل الحقيقة هى حقيقة الشىء ومعدنه أم ذلك الوجه الظاهر من أى موقف أو حدث، هل الحقيقة ذات وجه واحد أم وجهين، وجه ظاهر لكل الناس ووجه خفى تكتشفه إذا بحثت عنه بجدية ولا تكتشفه إذا أكتفيت بالوجه الظاهر لأنك ببساطة غير مهتم بجوهر وحقيقة الأشياء، هل تبحث فعليا عن الحقيقة فى كل شىء داخلك وحولك أم تبحث عن العدد الأكبر الذى يُقر حقيقة ما –مزيفة أو صحيحة – وتصدقها وتقرها أيضا بالتبعية، ما المهم وما الأكثر راحة، والأهم هل إذا توصلت لوجهىّ أى حقيقة، ماذا ستختار؟

رسالة جديدة – من حيث الطرح – يقدمها لنا فيلم "عيار نارى" الفيلم الذى تدور أحداثه أثناء ثورة يناير 2011 حيث يدور حول جريمة قتل وقعت فى إحدى تلك الأيام، فهل جريمة القتل وقعت أثناء إحدى الإشتباكات الميدانية كما يٌقر ويؤكد الجميع أم وقعت بطريقة آخرى وفى مكان آخر لأسباب مختلفة كما أكتشف دكتور التشريح، إذا أنت الآن أمام حقيقة تحمل وجهين،شخص واحد يكشف وجه ينكره الكثير وهم الأغلبية، تلك هى الإضافة الحقيقية لذلك العمل الفنى فهو يجعل المتلقين يفكرون فيما يطرح أمامهم على شاشة السينما مع ربطه بأحداث ومواقف مروا بها، وهنا يُعد المتلقى مشاركا وليس مجرد متفرجا عاديا يستمتع بفنيات العمل من صورة وصوت وأداء مجموعة من الممثلين المحببين إلى قلبه، كما يشارك المتلقى أيضا فى حل لغز الفيلم وفك الشفرة خاصة أن "عيار نارى" قائم على حبكة التكشف أو الكشف حيث تُفتتح مشاهده على جريمة قتل ثم تبدأ أحداث العمل الفنى فى تسلسل تصاعدى نكتشف معها ما حدث بالفعل وهنا تتحقق المنطقية الدرامية أى أن الأحداث تقدم سببا منطقيا للجريمة.

1369452-الفيشاوى-(1)

لا شك أن حبكة الكشف تناسب أفلام الجريمة أو الأفلام البوليسية لكن ما يضعف تلك الحبكة سلاسة وبساطة الوصول للحل فقد تم التوصل للحل بعد معاناة كبيرة وتصاعد منطقى للأحداث، جاء الحل سريعا فى مشهد مكون من البطل والبطلة وهما يحكيان كيف وقعت تلك الجريمة حيث يٌكمل كل منهما جملة الآخر كأن الوحى نزل عليهم فجأة أو قرأوا الغيب وتوصلوا لكل تفصيلة فى الجريمة وتسلسل حدوثها كأنهم هم من قاموا بها، وهنا وقع المؤلف هيثم دبور فى خطأ لأنها سذاجة لا تناسب البناء الدرامى المتصاعد القوى للأحداث خاصة وأنه فيلم جريمة.

1280x960

إلا أن فيلم "عيار نارى" تميز وتفرد بحركة للكاميرا تسمى arc movement وهى الحركة الدائرية للكاميرا بدون قطع، استخدمها مدير التصوير عبدالسلام موسى فى مشهد المواجهة بين دكتور التشريح الذى يحمل الوجه الخفى الحقيقى للجريمة وبين أهل القتيل الذين يحملون الوجه الآخر الظاهر، وهنا نرى الكاميرا فى حركة دائرية تنقلنا إلى الماضى إلى يوم وقوع الجريمة مع ثبات المكان –منزل الأم- فى حركة عبقرية بها سلاسة وحرفية عالية.

كما بذل المخرج كريم الشناوى مجهودا كبيرا فى تكنيك الإخراج خاصة فى تجسيد خيال دكتور التشريح المتمثل فى وضعه إحتمالات لكيفية وقوع الجريمة، فنراه داخل الاشتباكات الميدانية كأنة شاهد عيان على ما يحدث هناك – وهو لم يكن هناك بالفعل- وذلك ينمى حس الخيال عند المتلقى ويجعله يتخيل ما حدث مما يزيد معايشته للعمل الفنى.

2-21

أما أختيار طاقم التمثيل فكان موفقا فى أسماء ومُحبطا فى أسماء آخرى لأسباب عدة، فإختيار عارفة عبدالرسول كان فى محله وأكثر فقد أضافت لدور الأم التى تعبأ بكم من المشاعر المتناقضة بين الألم والحسرة والحزن مع تظاهر القوة والجبروت، أدت ذلك الدور بحرفية عالية جدا أعتقد أنها سترشح تلك الفنانة الموهوبة فى أدوار أكثر تعقيدا وصعوبة فى الأعمال المقبلة، كما لعب أحمد الفيشاوى دورا مركبا يكشف عن صراع داخلى بينه وبين نفسه وصراع خارجى بينه وبين من يقف أمامه لكشف الحقيقة، وبالنسبة لاختيار روبى لدور الصحفية لم يكن فى محله فقد أدت دورا باهتا لا عمق فيه ولا جديد ولم تضف له شيئا كما لم نلمس أى بُعد نفسى للشخصية، ونفس الحال بالنسبة لأحمد مالك الذى أعتبره من أقوى الوجوه الشابة على الساحة الفنية وأكثرهم موهبة وإجتهادا فى أداء الشخصيات المختلفة، لكن لم ينصفه هذا العمل الفنى ولم أشعر بقوة تواجده على الشاشة فكأنه مر مرور الكرام، كما تكررت مشكلة محمد ممدوح عملا بعد آخر فى عدم وضوح كلامه ومخارج الحروف فهناك جمل كاملة غير واضحة وغير مسموعة تماما مما يضطرك كمتلقى لقراءة الترجمة المكتوبة أو سؤال من يجلس بجانبك حتى تفهم ما يقال، وذلك يعد ظلما كبيرا لتلك الموهبة القوية والتى لا يختلف عليها اثنان.

بشكل عام نستطيع أن نقول بسم الله الرحمن الرحيم تجربة فنية جديدة وصفحة جديدة نبدأها فى نوعية أفلام الجريمة لنستفيد من أخطائها ونقدم الأقوى والأحسن ونتعلم من نقاط القوة ونضيف عليها فى التجارب القادمة.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر