مسارح مصر المغلقة.. ملف يحتاج إلى القرارات الشجاعة

المسرح المسرح
 
باسم فؤاد

فراغ كبير عانى منه المسرح المصرى عبر سنوات مضت، حتى خرج الفنان أشرف عبدالباقى بقراره الجرىء بتقديم عروض مسرحية بمشاركة مجموعة من شباب المسرحيين من الجامعات والفرق الحرة والأقاليم، ووصف الكثيرون قراره بالمجازفة غير محسوبة العواقب، وفى الوقت الذى اكتفوا فيه بالنحيب على حال المسرح المصرى فى المؤتمرات والندوات، كان اسم «تياترو مصر» يزداد صعودا ويلاقى قبولا جماهيريا كبيرا بين مقبل على المسارح ومشاهد أمام شاشات التليفزيون، صحيح أنه لم يسلم من هجوم شيوخ الفن الذين وصفوا المشروع بالابتذال، وأنه بعيد كل البعد عن المسرح، لكنه نجح نجاحا ملحوظا، ليكون الفنان أشرف عبد الباقى صاحب الفضل فى إعادة الحركة المسرحية المصرية من جديد بعد سنوات من الركود.

عبد الباقى واصل خطواته الجريئة فاتجه إلى إحياء المسارح المهملة، إذ أعاد مسرح نجيب الريحانى للحياة دون تشويه تراث المسرح القديم الذى شهد تأسيس فرقة الريحانى عام 1916، وقدم على خشبته العديد من الأعمال المسرحية الرائدة، قبل أن يتحول لمكان مهجور بائس اتخذت منه الفئران والقوارض مسكنًا خلال السنوات الماضية، ويستعد عبد الباقى لتقديم مجموعة أخرى من الشباب للسوق الفنى من خلال مسرحية من إخراجه هى «جريمة فى المعادى»، ذلك المشروع الذى أعاد فتح ملف المسارح المغلقة والمهملة من جديد، وطرح تساؤلا كثيرا ما ردده المسرحيون والنقاد: متى تنهى أزمة المسارح المغلقة؟! وهو سؤال يحاول عدد من نقاد المسرح الإجابة عليه، فيقول الدكتور حسن عطية، الناقد المسرحى ورئيس المهرجان القومى للمسرح فى نسخته الأخيرة: «أزمة مسارحنا تتلخص فى الروتين الحكومى»، هكذا يرى الدكتور حسن عطية أسباب غلق وإهمال مسارح مصر، متسائلا: «كيف لا نستطيع إعداد المسارح الموجودة لمطابقتها بشروط الحماية المدنية، فلابد أن نعمل على تأهيل المسارح لتفادى مأساة بنى سويف».

عطية يثمن تجربة الفنان أشرف عبد الباقى بتجديده مسرح الريحانى، قائلا: «فى الوقت اللى بتتقفل فيه المسارح بسبب إجراءات الحماية المدنية، أشرف عبدالباقى بيفتح رئة جديدة للمسرح بغض النظر عن تقييم التجارب مسرحيا».

وعن حال المسرح فى الوقت الحالى مقارنة بالستينيات من القرن الماضى أوضح «عطية» أن دور السينما فى هذا الوقت كانت تحول إلى دار عرض مسرحى، فمثلا مسرح الجمهورية كان سينما فريال قبل تحويله لمسرح، وذلك على عكس ما يحدث فى وقتنا الراهن فأصحاب المسارح يغيرون نشاطها لسينمات، سعيا وراء المكسب المادى، لكنها بذلك تتحول إلى قاعات عنصرية تستهدف الشباب فقط».

وأضاف: «نعانى من أزمة تأليه النجم، واعتباره وحده الذى يجذب الجمهور، وبالتالى يبالغ فى أجره حتى تصل تذكرة المسرح إلى 400 جنيه، لكن ذكاء أشرف عبد الباقى أنه وفر تذاكر بـ50 جنيها لجذب كل شرائح المجتمع، وبالتالى الجمهور يستطيع دفع ثمنها».

ويحذر الدكتور حسن عطية من خطورة الوضع الحالى للمسرح المصرى، قائلا: إذا استمر تعاملنا مع المسارح المهملة والمغلقة بهذا الشكل ستندثر المسارح تماما فى مصر، وستتحول إلى مقاهى وكافيهات وعلب صغيرة للسينما، مقترحا حلولا إصلاحية لمعالجة ما أصاب مسارحنا، مؤكدا على الحاجة لقرار جرىء من وزارة الثقافة مدعومة من وزارة المالية لإعادة تأهيل المسارح الموجودة حاليا كى تكون مكانا آدميا لأن تحويل المسرح إلى سلعة فى القطاع الخاص أفسده، ويضيف: إذا كانت الدولة مثقلة بالديون فعلى رجال الأعمال الذين يلعبون دورا ثقافيا فى المجتمع دعم المسرح، وعلى سبيل مؤسسة ساويرس الثقافية، من الممكن أن تخصص ميزانية لإنشاء مسارح جديدة، وإقامة مهرجانات عالمية مسرحية لدعم المسرح والسياحة فى نفس الوقت.

ويصف الدكتور حسن عطية، شباب المسرحيين، بأنهم قادرون على تغيير وجه مصر لكنهم غير مدعومين، مضيفا: «بشوف تجارب فى مسرح الفلكى على سبيل المثال ناجحة جدا، والفرق الشبابية تدفع إيجارا للمسرح ونصف القاعة من الجمهور يحضرون بدعوات، بالإضافة إلى أن المسرح الجامعى ملىء بالتجارب المتميزة، ومحتاجين حد يستقبل هذه العروض وتقديمها للجمهور خارج الجامعة، وأعتقد أن هؤلاء الشباب من حقهم أن يجدوا صدى من الدولة ويخصص لهم مسرحا لتقديم عروضهم مجانا للجمهور، كذلك هم فى حاجة للاحتضان طاقاتهم وبعد كدة الحكم للجمهور والنقاد».

واختتم عطية حديثه: «تجربة أشرف عبد الباقى لتجديد مسرح الريحانى متميزة، وتحيى مسارح أهملت لسنين وتقديم عروض مسرحية تخاطب الشرائح المتوسطة من المجتمع فهى بنفس أسعار مسارح الدولة».

«عايز مسرح» حملة لإحياء المسارح المهجورة.. فى أكتوبر 2014، أطلق الفنان الكوميدى على قنديل حملة لإحياء المسارح المهجورة فى مصر، تحت عنوان «عايز مسرح»، وطالب وزارة الثقافة تسليمه مسرحا من تلك المسارح المغلقة لمدة 3 سنوات ليحيى الحركة المسرحية دون استجابة، وأخذت الحملة تطالب طول الوقت بتشغيل المسارح، ولكنها استمرت فى الإغلاق حتى صارت مهجورة.

قنديل كان يرى أن المسرح يستطيع مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، ودون عبر صفحته الشخصية قائلا: «لو كان الأمر تم وأخذنا مسرحا أنا والشباب المتعطش للمسرح، كان من الممكن تغيير الفكر المتطرف لهؤلاء الذين يواجهوننا بالنار والدمار، فالمسرح له دور عظيم فى مواجهة الإرهاب، بخلاف أن أبسط شباب جيلنا فى مقدورهم عمل من الخراب مسرحا».

واستنكر قنديل البيروقراطية الشديدة فى الهيئات والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن المسارح، قائلا: «نجد نداءات من المسؤولين يقولون لا توجد مسارح فى الدولة.. المسارح موجودة لكن حالها محزن للغاية».

«أحمد عواض»: مقولة المسارح المغلقة غير صحيحة على إطلاقها.. وعن المسارح التابعة لهيئة قصور الثقافة، يتحدث الدكتور أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة لـ«اليوم السابع»، معتبرا أن هناك «تهويلا» فى الحديث عن مسارح الهيئة المغلقة، لكنه فى نفس الوقت لا ينكر وجود أزمة على أرض الواقع، قائلا: «مقولة المسارح المغلقة غير صحيحة على إطلاقها، المغلق فقط يخضع للصيانة» على حد قوله.

وحول الفترة الزمنية الكبيرة التى يمكن أن يستغرقها إجراء صيانة بمسارح هيئة قصور الثقافة رد عواض: «استغراق وقت كبير لصيانة المسارح غير صحيح»، مؤكدا أن المسارح تعمل بكامل طاقتها ولدينا خطة إنتاج جديدة، وتابع: نستعد لـ110 عروض لنوادى المسرح وجميع فرق الهيئة تعمل، وضرب مثالا بمسرح البدرشين وقصر ثقافة الجيزة قائلا: إنهما يعملان دون توقف.

 مسارح العاصمة المهملة.. فى نطاق القاهرة الكبرى حال «أبوالفنون» مثير للإحباط، وتمتلك القاهرة والجيزة 38 مسرحا و25 آخرين تابعة للثقافة الجماهيرية بمختلف المحافظات، ويرجع البعض إغلاق النسبة الأكبر منها إلى الملكية الخاصة للمسارح، وتعلل أصحابها بتراجع الجمهور عن الذهاب إلى المسارح، مما قد يعرضهم لخسارة فادحة، وعند سؤال الرؤساء المتعاقبين على البيت الفنى للمسرح تكون الإجابة واحدة لا تتغير، بأن تلك المسارح ملكيتها تعود لأشخاص هم من يتحكمون فى مصيرها، سواء بإغلاقها أو تقديم عروض مسرحية على خشبتها.

ورغم تعلل أصحاب مسارح القطاع الخاص بأن الجمهور هجر المسرح، إلا أن التجارب الناجحة تفرض نفسها بقوة، ومن هؤلاء الفنان يحيى الفخرانى عبرة، الذى سجل بمسرحية «ألف ليلة وليلة» رقما قياسيا وقت عرض المسرحية، إذ حققت أعلى إيرادات فى تاريخ المسرح المصرى، بعد سنوات غاب فيها الجمهور عن قاعات «أبو الفنون».

مسرح «الزمالك» فى شارع 26 يوليو تحول إلى دار عرض سينمائى، أما مسرح «راديو» بوسط البلد فأصبح استوديو لتصوير البرامج التليفزيونية، بالإضافة إلى توقف نشاط مسرح «ليسيه الحرية» بعد تعرضه لحادث حريق ويضم تراثا معماريا وأثريا مهما، كما أن سينما «بالاس» الواقعة فى وسط البلد كانت مسرحا يحمل اسم «مسرح الملكة ديانا»، قبل تحويله لدار عرض سينمائى، فضلا عن محو آثار مسرح محمد فريد الذى سعى الفنان الراحل السيد راضى لإنشائه قبل أن يصيبه حريق بعدها بشهرين وأغلق المسرح فأصابه الإهمال منذ سنة 1982، وأغلقته وزارة الثقافة ثم صدر قرار بهدمه.

وقدم الفنان محمد صبحى على خشبة «مسرح الفردوس» بالدراسة أعظم مسرحياته، وأهمها «وجهة نظر»، وذلك قبل أن يتحول إلى مبنى متهالك ومقلب للقمامة، وفى وسط البلد يقع مسرح الفن جلال الشرقاوى المغلق منذ سنوات بدعوى افتقاد المسرح آليات الدفاع المدنى، كما هدم الفنان محمد نجم فى 2016 مسرحه بالدقى، عندما لم يجد أى مكاسب مادية مناسبة من العروض المسرحية، ولجأ إلى الاستفادة من الأرض الكبيرة المقام عليها المسرح باستخراج التصاريح اللازمة بهدمه وإقامة عمارة سكنية كبيرة.

مسارح الإسكندرية تتحول إلى قاعات أفراح.. «مسرح الفن جلال الشرقاوى» بالمنتزه، أصبح مكانا مهجورا، أما مسرح نجم ومسرح اللونا بارك بالإبراهيمية وهو أحد المسارح القديمة بالإسكندرية وشيد مطلع القرن العشرين، فتحول إلى قاعات أفراح.

مسرح العبد بمنطقة كامب شيزار، كان أسفله آثار ترجع إلى العصر الهلنيسى، وكثيرا ما استضاف عروضا مسرحية للنجوم، وقبل هدمه تحول إلى قاعة أفراح ثم بعد ذلك هدم عام 2015، أما مسرح السلام الصيفى، فقد بنى فى منطقة مصطفى كامل أول السبعينيات، واستقبل أعمالا مسرحية لنجوم كبار، إضافة إلى عروض الفرق القومية، إلا أنه صدر قرار بترميمه بسبب تآكل الجدران الخارجية للمسرح، حتى صدر قرار آخر بهدم المسرح، وكذلك هدم مسرح نجيب الريحانى بمنطقة كامب شيزار فى الستينيات بعد أن أصابه التدهور، وشيد مكانه مبنى سكنى أسفله مقهى الريحانى.

مسرح كوتة على أرض كوتة بالأزاريطة، كان يعرض عليه مسرحيات الفنان محمد نجم أصبح أرضا مهجورة تخرج منها الروائح الكريهة بسبب القمامة.

 «طارق الشناوى»: مسارح الدولة تقدم عروضًا لا تفيد.. «المسارح تموت وهى على قيد الحياة»، هكذا شخص الناقد الفنى طارق الشناوى أزمة المسارح المغلقة، ورأى الاقتصاد هو المسئول عن غلق المسارح، مشيرا إلى أن أصحاب مسارح القطاع الخاص «خايفين» يفتحوا المسارح تجنبا للخسارة المادية.

وردا على الدكتور أحمد عواض، رئيس هيئة قصور الثقافة، قال الشناوى أن أكثر من 60 % من مسارح قصور الثقافة مغلقة «فالهيئة تعانى من كسور «بالكاف» وفيها مشاكل تحتاج تجديدا بالمليارات وأكيد عواض عارف كدة».

ويحذر الشناوى من الاستمرار على هذا المنوال فى معالجة الأزمة، فالمسرح المصرى مهدد بالإظلام، وهذا أسوأ من الاندثار، مشيدا بتجربة الفنان أشرف عبد الباقى قائلا: «أشرف يقود المسيرة ويضخ دماء جديدة للعرض وتلك ملامح إيجابية، أما عن مسرح الريحانى فيحمل اسم أهم نجم فى تاريخ مصر، وأثناء تجديد أشرف للمسرح اكتشف صورا ومتعلقات خاصة بالريحانى وبديع خيرى، ووعدنى أنه سيحاول الحصول على متعلقات أخرى من أسرة بديع، فهى تجربة مهمة بكل المقاييس».

وأضاف الشناوى: «المسرح ارتبط بعادل إمام وسمير غانم لسنوات طويلة لكنهما توقفا عن الإنتاج المسرحى، وجلال الشرقاوى كان يحاول، لكنه لا يملك الميزانية الكافية»، موضحا أنه كان هناك مسرح، يسمى مسرح المقاولات يوازى سينما المقاولات فى الثمانينيات والتسعينيات وكان ينتج 30 عرضا مسرحيا فى العام الواحد، ويستهدف السياحة العربية فى ذلك الوقت، ورغم فقر المسرحيات فنيا إلا أنها لم تعد موجودة الآن».

واختتم الشناوى: على وزارة الثقافة خلق مناخ صحى وجاذب لدعم المستثمرين لإنشاء المسارح، لأن المناخ الحالى طارد، ومسارح الدولة تقاوم وتقدم عروضا لكنها لا تفيد.

افتتاح مسرح محمد عبدالوهاب بالإسكندرية نقطة مضيئة.. فى حقبة وزير الثقافة حلمى النمنم وفور توليه الوزارة كشف عن خطة واسعة لتطوير وافتتاح المسارح المغلقة، وقال فى أحد اللقاءات التليفزيونية: أن أزمة تلك المسارح سببها إهمال الصيانة، وعوامل السلامة والأمان، مؤكدا أن إصلاح ذلك لن يتم بين ليلة وضحاها بسبب إهمالها لعقود، وبالفعل بدأ فى اتخاذ خطوات جدية فى افتتاح مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية الذى افتتح بالفعل فى عهد وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم فى 7 سبتمبر الماضى بعد ترميم المسرح وإعادة تأهيله، فى حدث تمنى عشاق المسرح تكراره حتى تصبح مسارح المحروسة جميعا مفتوحة أمام الجماهير.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر