سارة فؤاد تكتب: الشغف يقابل الاستسلام فى «A star is born»

A star is born A star is born
 
 
سارة

"صناعة نجم" فكرة ليست جديدة لكننا لم نعتد على طرحها هنا فى مجتمعاتنا العربية، تلك المجتمعات التى تتبنى – فى معظم الأحوال- أفكارا مستهلكة وتقوم بتكرارها بهدف الاستسهال حيث ترتعب من التجديد والإبداع وخلق أى منتج جديد سواء مادى أو معنوى خاصة عند أصحاب الكلمة الأخيرة فى مختلف المجالات، فيصاب الشباب بالإحباط ومنه يولد التكاسل ومن ثم عدم الإنتاج وتلك أحد آفات مجتمعنا، غياب الشغف، ببساطة سببه غياب اليد التى تشجع أى إبداع أو فكرة جديدة ‘أقول كلماتى تلك وأنا أرفض مبدأ التعميم فبالتأكيد هناك عقول جريئة تعشق تقديم كل ما هو جديد وتتحمل المسئولية وعواقبها.

 

3

قررت أن أبدأ مقالى هذا بتلك السطور لأنها أكثر ما مسنى فى مضمون فيلم A star is born الذى يقوم على صراع وتحد ذاتى داخل نفس البطلة "آللى " للوصول لهدفها وتحقيق النجاح، وصراع آخر داخل نفس البطل "جاكسون" بين نجاحه كمغنى وعازف وبين إستسلامه للإدمان الذى يسوقه للفشل والفناء، ذلك التوازى بين رحلتين متناقضتين صاغه المؤلف Eric Roth بإبداع، وسلاسة فى نسج تصاعد درامى قوى يأخذك إلى عالمه من البداية مرورا بتصاعد الأحداث ووصولا لذروتها –التى توضح قمة المقابلة والتضاد بين الصراعين – وحتى النهاية التى تُعد نتيجة لكل صراع سواء الكائن فى نفس "آللى" أو "جاكسون"، صراعان متماسكان شديدا الحرفية مختلفان فى النتيجة والنهاية، يمسان قطاعا واسعا من المتلقين على أى بقعة بالأرض وهنا تكمُن شدة قوته وتأثيره،فهو يسير على خطى الدراما الأرسطية التى تثير مشاعر الخوف والشفقة، الخوف من أن يحدث لك ما حدث للبطل "جاكسون " والشفقة عليه من آلامه ونهايته، مما يؤدى إلى التطهير، تطهير النفس فيجبرك كمتلقى أن تختار الطريق الآخر الذى رسمه المؤلف طريق البطلة "آللى" طريق النجاح والتمسك بالشغف والحلم مع الإرادة القوية لتحقيقه.

 

1

قدم صناع العمل الفنى A star is born تلك الحالة الدرامية المُشبعة بالمشاعر المختلفة من حب ورومانسية ونجاح وفشل ووجع وإرادة وعدم إستسلام من طرف وإستسلام من طرف آخر،قدموها بإبداع وفن حقيقى فقد جاءت أغانى العمل تعبر عن المرحلة التى تجسدها المشاهد وتتكلم عن مشاعر كل من "آللى " و"جاكسون" فى كلمات مؤثرة مُكملة للحوار وليست إضافة غير مبررة أو فاصل وإستراحة منه، ولم تقتصر روعة كتابة العمل على أغانيه بل امتدت للحوار أيضا فقد جاء الحوار قويا لا تطويل به مع براعة الإخراج فى الإيقاع السريع للأحداث فكل مشهد يأخذنا لمرحلة آخرى من العمل الفنى وذلك ذكاء وإبداع فى حد ذاته، ذلك الإبداع الذى تأكد فى إعتماد صناع العمل فى معظم المشاهد على البطل والبطلة فقط على الشاشة دون أن يصاب المتلقى بالملل والرتابة بل بالعكس فقد تفاعل معهما لدرجة التماهى الكامل معهم ومع حكايتهم وحالتهم الدرامية.

أبلغ من ينقل حالة درامية مركبة كتلك، هم أدواتها المتمثلة فى المواهب التى تجسدها على الشاشة، فأداء lady gaga لشخصية "آللى" فاجأنى كثيرا، لم أكن أتخيل أن أتأثر لهذا الحد بتلك الشخصية التى أبدعت فى تجسيدها واستطاعت بها أن تلمس قلوب المتلقين وتكسر أى حاجز وضعته سابقا بينها وبينهم كمغنية بوب وتزيل كل مستحضرات التجميل الظاهرية أو الداخلية المتمثلة فى نفسِها المليئة بالمشاعر والتلقائية والقرب من الناس،أما Bradley cooper فقد قدم درسا فى الأداء التمثيلى الدرامى المُشبع بمشاعر الحب والعطاء الممزوج بالضعف والإستسلام والفشل، فلا نستطيع أن نعرف هل ظلم نفسه أم ظروف الحياة هى من ظلمته، فقد قدم نموذجا لمرض نفسى يسمى "التكرار القهرى" أى تكرار ظلم وقع عليه فى صغره حيث كرره هو بإرادته عندما كَبر، فهل ما وصل إليه كان من إختياره أم أُجبر عليه؟، وساعد على توصيل تلك الحالة المركبة المؤلف الذى رسم أبعاد الشخصية خاصة النفسية بحرفية شديدة وقدم السببية الدرامية لنهايته، وعلى النقيض بالنسبة لشخصية "آللى" حيث لم يهتم المؤلف برسم أبعاد شخصيتها بنفس الدقة والمهارة، كما أشاب العمل الفنى خطأ كبير فى المونتاج متمثل فى القطع الحاد لبعض المشاهد بدون مبرر درامى مما يقطع إندماج المتلقى مع أحداث العمل الفنى، وعزائى الوحيد أن المخرج كان يهدف إلى سرعة الإيقاع وعدم التطويل.

 

2

لا أستطيع أن أخبئ أكثر من ذلك فقد أصابتنى الغيرة الشديدة وأنا أشاهد هذا العمل الفنى المبهر حيث يملأنى الإيمان بأننا –كصناع أفلام مصرية – نستطيع أن نقدم عملا فنيا على نفس المستوى سواء من ناحية الكتابة أو الإخراج أو التمثيل أو الملابس والمكياج أو الإضاءة، خاصة أن لدينا الكثير من المواهب التى تنتظر اليد الممدودة بالفرصة لتقدم موهبتها وتصنع قصة نجاح مثل "آللى" وتحاول ألا تستسلم مثل "جاكسون".

 
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر