هل تحمى نقابة الممثلين المهنة من الاحتلال العثمانى كما تحميها من الدخلاء؟

خالد أرجنش خالد أرجنش
 
تحليل يكتبه باسم فؤاد

فى عصرنا؛ لم تعد البندقية والصاروخ سلاح غزو الشعوب عكس ما شهدته حروب البشرية على مر الأزمنة، فالدول الغازية اتجهت إلى استثمار الأموال التى تنفق فى الأسلحة والحفاظ على أرواح جنودهم، واتجهت إلى غزو العقول، فهذا أكثر تأثيرًا وأوفر إنفاقًا، والمتابع لحال صناعة السينما والدراما فى العالم نجد أن أمريكا احتلت دول العالم عبر أفلامها ومسلسلاتها، وفرضت ثقافتها على أكثر الدول عداء لها دون أن تضحى بجندى أو تطلق صاروخا فى الهواء، ويبدو أن دولا أخرى بدأت تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية، أهمها تركيا، التى تحلم بإعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد عبر الدراما التركية التى غزت الدول العربية فى السنوات الأخيرة، ولم تكتفِ بذلك، بل جندت فى تلك الدول عملاء لتنفيذ مخطط "الغزو عبر القوى الناعمة".

مؤخرا؛ تعاقد منتج مصرى مع الممثل التركى خالد أرجنش الشهير بشخصية السلطان سليمان، لمشاركة أمير كرارة  فيلم "كازابلانكا"، ليدخل بالصناعة فى نفق مظلم تبدأ معه مرحلة استيراد النجوم الأتراك للفن المصرى، وقد يظن القائمون على هذا العمل أنهم يروجون لمنتجهم فى محاولة لجذب أكبر عدد من عشاق الدراما التركية لكنهم فى نفس الوقت يصدرون حكما بالإعدام على نجومنا المصريين، ويفتحون الحدود أمام الغزو العثمانى فى شكله الجديد.

نقابة المهن التمثيلية ممثلة فى نقيبها الدكتور أشرف زكى، يصدر بين حين وآخر قرارات من شأنها الحفاظ على حق أصحاب المهنة من الفنانين المصريين، آخرها منع العمل دون تصريح، وعليه اتخذت النقابة قرارا بعقد ورش عمل لراغبى الحصول على التصاريح شرط اجتياز  امتحانات الورشة، وذلك لحماية المهنة من الدخلاء، فما موقف النقابة من مشاركة النجوم الأتراك فى الدراما والسينما المصرية؟ ألا يعد ذلك انتهاكا لحقوق الممثل المصرى؟ ألا يشكل هذا تهديدا للهوية والفكر القومى المصرى والعربى؟! وهل تبدأ النقابة التصدى لأصحاب الرايات السوداء على الحدود من الفن المصرى؟! هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

الأتراك يعرفون "من أين تؤكل الكتف"، فلا نبالغ حين نقول إن مصر سبقت هوليود فى السينما وبدأت علاقتها بالصناعة فى نفس الوقت الذى بدأت فيه فى العالم فكان أول عرض سينمائى تجارى فى العالم فى ديسمبر 1895 وتحديدا فى باريس، وبعد هذا التاريخ بأيام قدم أول عرض سينمائى فى مصر بالإسكندرية، ولهذا لن تجد تركيا بلدًا تبدأ من خلاله مخططها أفضل من مصر، فإذا غزت القاهرة ثقافيا كان أمر السيطرة على بقية العواصم العربية سهلا ، ولذلك يباع المسلسل التركى بـ10 آلاف دولار مقابل 40 ألفا و50 ألف دولار  للمسلسل المصرى، وتتحمل الحكومة التركية الفارق بغرض فرض الثقافة العثمانية .

تركيا تسعى لتعويض خسائر صناعة السينما والدراما بعد انهيار الليرة من خلال غزو أسواق الشرق الأوسط، إذ خسرت الليرة حوالى 40% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، وسجلت انهيارا هائلا فى الأيام الأخيرة على خلفية تفاقم الأزمة مع واشنطن، وسط توقعات بانهيار الصناعة فى أنقرة وتوقف زحفها نحو الأسواق العالمية، فقبل أن تنهار الليرة كان حجم تصدير المسلسلات التركية 350 مليون دولار لـ142 دولة، خلال العشر سنوات الأخيرة، تزايد خلالها الطلب على الدراما التركية، لتحتل المرتبة الثانية عالميا فى تصدير المسلسلات بعد الولايات المتحدة الأمريكية - وفق إحصائيات رسمية.

موقع "فاريتى" الأمريكى المتخصص فى عالم التليفزيون والسينما، نشر فى تقرير سابق إن "قطاع الدراما التركية نما بشكل كبير فى آخر 10 سنوات، إذ يلاقى قبولا خارج تركيا، مشيرا إلى أن 4 مسلسلات تركية احتلت مكانا بين أفضل 15 برنامجا تليفزيونيا فى أمريكا اللاتينية"، ومع الأزمة التى تشهدها العملة التركية، هناك اتجاه لتقليل إنتاج الأعمال التليفزيونية، وبالتالى خروج تركيا من سباق المنافسة الدرامية خارج أنقرة.

وأضاف الموقع أن "حجم تصدير الدراما التركية منذ 2008، وصل لـ10 ملايين دولار أمريكى، وبحلول عام 2016، وصل لـ 350 مليون دولار، وبذلك تكون الأسعار قد ارتفعت فى 5 سنوات 10 أضعاف"، وقبل أزمة الليرة كان من المتوقع الوصول إلى حجم تصدير يبلغ 750 مليون دولار، بحلول 2023، لكن جاءت الأزمة لتعصف بالقائمين على الصناعة، وسط توقعات بانخفاض الإنتاج التليفزيونى، وقلة المعروض وانهيار سوق تصدير الفن العثمانى.

وسائل إعلام تكهنت بانخفاض الدول المستوردة للأعمال التركية من 142 دولة كانت أنقرة تستهدف بها أسواق الشرق الأوسط، ودول البلقان، وأوروبا الشرقية، وشمال أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، ووسط آسيا، إلى نحو 50 بلدًا فقط – بحسب التقديرات.

خلاصة القول، مصر لا تعانى نضبًا فى مواهبها، فدائما كانت تصدر فنها إلى الخارج، وكانت السينما فى صدارة الصناعات المصرية بعد "القطن"، وإن كانت تمر بأزمة بعد فترة ازدهار فلنبحث أسبابها وطرق النهوض بها ولا نعالج الخطأ بخطأ أو نزيد الجرح عمقًا.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر