سعيد الشحات يكتب: «الأبنودى» يبكى صديق العمر محمد رشدى ويودعه فى جنازته

الأبنودى ومحمد رشدى الأبنودى ومحمد رشدى
 
علا صوت الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، باكيًا صديق العمر محمد رشدى.. كان يرتدى قميصًا أسود وبنطلونًا بنفس درجة السواد، وبعد أن أدينا الصلاة فى مسجد مصطفى محمود على الفقيد يوم 4 مايو–مثل هذا اليوم 2005– حمل النعش مع آخرين إلى الخارج، ووضع بيديه صندوق الجثمان فى سيارة الموتى، وفور أن تحركت السيارة انفجر باكيا: «مع السلامة يامحمد.. مع السلامة ياحبيبى.. السلام أمانة لبليغ».. كان يبكى فراق حبيب عاش معه رحلة، أحلام، وأفراح وأحزان وانتصارات وانكسارات.
 
أعادنى بكاء«الأبنودى»إلى أوراقى وما بها من ذكرياتى مع«رشدى»..«راجع- ذات يوم 2 و3 مايو2019»، وفيها: بعد أن جاء رشدى إلى القاهرة من دسوق ظل لسنوات تائها ضائعا، ورغم تغير الظروف السياسية بثورة 23 يوليو 1952 التى أدت إلى تغيير جذرى فى نمط الغناء.. انطلق عبدالحليم حافظ، وبقى هو محلك سر، مجرد مطرب يقترن اسمه بأغنية «قولوا لمأذون البلد»، حتى تعرض لحادث كاد يودى بحياته عام 1959.. يتذكر: «بقيت شهورا طويلة على الفراش، أعيش على الفتات والتبرعات، وأتحرك فقط على عكازين، قرأت كثيرا، وأعدت تقييم نفسى، وشغلنى سؤال: «من أنا، وماذا أريد، وكيف أغنى؟.. وأنا على هذا الحال طلبنى محمد حسن الشجاعى مراقب الموسيقى والغناء فى الإذاعة، فذهبت إليه على عكازين».
 
كان الشجاعى فى منصبه منذ عام 1951 حتى توفى عام 1963..وكان:«موسيقيا وطنيا مثقفا، أمكنه ضبط العمل فى الإطار الوطنى والقومى»، حسبما يؤكد الناقد الموسيقى فرج العنترى فى كتاب «عبد الحليم حافظ وعصر من الغناء الجميل» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة».. أعطى الشجاعى لرشدى مظروفا فيه «موال أدهم» ليقدمه للإذاعة فى إطار درامى.. يتذكر رشدى: «الشجاعى قال لى: أنا عندى صنف اسمه عبد العزيز محمود، وصنف اسمه محمد عبدالمطلب، وصنف اسمه عبدالغنى السيد، ومش مستعد أبيع صنفين عبدالمطلب، وبطل تتأفف زى عبدالمطلب.. أنا عايز شخصيتك».. وأضاف: «موال أدهم له رسالة وطنية وسياسية.. فيه توجيه بأننا نقدم أعمالا درامية تساعد على تعميق البطولة والتضحية عند المصريين».. كان ذلك أثناء بدء مرحلة التحول الاشتراكى يوليو 1962.
 
قام رشدى بغناء «أدهم» وتلحينه، وله فى ذلك قصص مثيرة كبحثه عن محاولات سابقة فى تلحين الموال.. أذيع كل يوم جمعة فى الثانية ظهرا، وبسببه كادت الشوارع أن تكون خالية.. نجح الموال نجاحا مدويا، وبدأ الانطلاق الذى ستظهر فيه شخصية رشدى كفنان يعبر عن مرحلة جديدة، وذلك بالغناء لأبناء البلد البسطاء فى الغيطان والمصانع.. يتذكر: «الدنيا بدأت تتغير.. كل يوم خبر فى جريدة، موضوع فى مجلة، جدل حول أدهم: أسطورة، ولا حقيقة، بطل ولا شقى، وأنا حاضر فى كل هذا الكلام، فى نفس الوقت كان فيه واحد قاعد بيراقب كل هذا الجدل هو الشاعر عبدالرحمن الأبنودى.. كل واحد أقابله يقول لى: الأبنودى بيسأل عليك، الأبنودى بيدورعليك..والتقينا على ما أتذكر فى مقهى بشارع محمد على، سألنى: «أنت عايز إيه من الأغنية؟».
 
سؤال الأبنودى كان مفاجئا لرشدى فسرح معه، تذكر ما قاله له الشجاعى وهو يسند إليه موال «أدهم».. أكمل الأبنودى: «أنا بعد ما سمعت موال أدهم، تأكدت إنك الوحيد اللى عندك القدرة تغنى أشعارى».. يعلق رشدى: «كانت كلماته دليل على ذكائه الصعيدى،هو عارف كلمته تبقى إيه؟، ومين الصوت اللى يقولها بصدق؟ ومين اللى الناس تصدقه لما يغنيها».. يضيف: «الأبنودى اتكلم عن حاجات كتير،عن أحلامه الكبيرة للأغنية.. نبهنى: «المرحلة دى بتاعتك أكتر من عبدالحليم حافظ، المرحلة محتاجة أغنية للناس، أغنية فيها الفلاح والعامل والبسيط والفقير، أغنية تتكلم عن مشاعرهم وعواطفهم، وأنت اللى مؤهل لهذا الدور، فيك حاجة تخلى الناس الغلابة تصدقك».
 
ويؤكد «رشدى»: «كلمنى الأبنودى بصوتى، يعنى كنت باتكلم مع نفسى، هو كان عارف، شايف كويس، عنده نبوءة الشعراء، وأنا عندى طلقة عايزة تطلع، عندى حلم مؤجل، هوكان عنده حاجة مختلفة عن الموجودين على الساحة، وفى نفس الوقت كنت محتاج كلامه، ورغم إنى أكبر منه فى السن، لكن ثقافته وموهبته حالة نادرة، الجلسة دى فتحت لى طاقة نور،عرفتنى بشاعر بيحس فعلا بأوجاع بلده، وغرقه فى بيئته الصعيدية، وأنا فلاح من دسوق وعارف يعنى إيه واحد يرتبط ببيئته».
 
يواصل رشدى: «مصر عاشت على نوعين من الغناء، غناء فى الحوارى والغيطان، وغناء الصالونات الموجه إلى فئة معينة، وهذا النوع كان هو«الرسمى»، وسيد درويش استثناء لأنه غنى وهو عارف بيغنى لمين، وجاء الأبنودى ليجعل غناء الحوارى والغيطان على كل لسان».
 
أثمر هذا اللقاء عن أغنية «تحت السجر ياوهيبة/ياما كلنا برتقان/كحلة عينيك ياوهيبة/جارحة قلوب الجدعان».. لحنها عبدالعظيم عبدالحق ونجحت نجاحا مدويا، وكانت أكبر نقطة تحول فى حياة رشدى..يؤكد: «كانت «وهيبة» وش السعد، الباب اللى اتفتح لى، وضعتنى على السكة اللى ربطتنى بالناس، كلمات الأغنية كانت فتحا جديدا فى الشعر الغنائى رائحة جديدة..«وهيبة» رمز لكل فتاة ريفية جميلة، يتغزل فيها شاب ريفى بكلمات عفيفة.. الأبنودى عمل ثورة فى لغة الغزل، لغة عفيفة جذابة.. الأغنية تحولت إلى موضة.. فى نفس الوقت كان بليغ حمدى بيبحث عن سكته الجديدة، حتى جاء اللقاء فى قنبلة«عدوية»، وبدأت رحلة الثلاثى رشدى وبليغ والأبنودى».

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر