سعيد الشحات يكتب: عزاء محمد رشدى يعيد التذكير بثورته الغنائية ومنافسة العندليب

عبد الحليم حافظ عبد الحليم حافظ
 
حضرت أطياف المجتمع فى عزاء الفنان محمد رشدى «5 مايو– مثل هذا اليوم– 2005».. فنانون، مثقفون، ناس بسطاء، أهله فى دسوق، أعادنى المشهد إلى يوم أن ذهبت إليه أعزيه فى وفاة صديق عمره ومشواره بليغ حمدى «17 سبتمبر 1993» فقال لى باكيا: «واحنا فى العزاء، كمال الطويل قال لى: «كل الناس دى علشان بليغ؟».. قلت له: «أيوه ياكمال..اللى يعيش للناس، الناس مبتنسهش، وبليغ عاش للناس»..أعادنى المشهد أيضا إلى تدفقه فى الحديث عن مرحلة اكتشافه لذاته بعد سنوات من الضياع، وكان الانتماء إلى الناس هو كلمة السر «راجع– ذات يوم 2 و3 و4 مايو 2019».
 
قال لى: «نجحت عدوية نجاحا مبهرا، فى أول طبعة طبعت نصف مليون أسطوانة، انضمت إلى موال أدهم ووهيبة، المناخ السياسى والاجتماعى كان هو الأساس..كلمات الأبنودى متفردة جديدة.. «عدوية» و«وهيبة» عبرا عن «البنت الجديدة»، بنت ثورة 23 يوليو 1952، بنت البسطاء، بنت العمال، بنت الفلاحين، البنت دى بقت فى العلالى، بقت صاحبة مبادرة فى التعبير عن مشاعرها.. حالة جديدة على العكس مما كان يروى بأن سفيرا أجنبيا سمع محمد عبدالمطب يغنى موال لحبيبته: «حبيبى فين ودونى ليه»، فسأل: «ماذا يقول هذا الرجل؟»، أجابوه، فرد: «هل سينتظر حبيبه طويلا؟ المفروض أن يذهب إليه هو؟ هل من المعقول أن كل واحد يحتاج حبيبه سيأتى إليه فورا؟».
 
يضيف رشدى: «بليغ لحن عدوية بعبقرية، كان اللحن فتحا جديدا، ومعه ألحان أخرى بكلمات الأبنودى أيضا منها «بلديات/ دا احنا ياحبيبتى بلديات» و«آه ياليل ياقمر/ دا المانجا طابت ع السجر» و«مأذون حيتتنا دخل بيتنا»..بقى فيه ثورة غنائية جديدة، بليغ بألحانه، والأبنودى بكلماته، وأنا بصوتى»..
 
سيقفز السؤال.. أين كان عبدالحليم حافظ من هذه الثورة الغنائية، وهو أيضا ابن نفس الحالة العامة التى جعلته أن يكون نجما لثورة غنائية، عاطفية ووطنية؟.. يجيب رشدي: «عبدالحليم كان بيتابع، أصبح قلقا من لونى الشعبى، اضطر مثلا أن يجارى نجاح موال أدهم بعمل فيلم عنه قام هو بتقديم أغنياته، لكن الفيلم فشل، فوضع خطة جهنمية وذكية بسحب الاثنين، وبدأ بالأبنودى، كان يعرف بليغ وقدم له لحن تخونوه عام 1957، لكن هو فكر فى الاستفادة منه فى نفس اللون بتاعى».. يتذكر: «كنت والأبنودى وبليغ فى استديو «صوت القاهرة» بصحبة فرقة صلاح عرام، نسجل «بلديات» ولقينا شابين بنظارات سوداء بيسألوا الأبنودى: «حضرتك الأستاذ الأبنودى؟..اتفضل معانا شوية.. مشى.. فكر إن هو رايح المعتقل وأنا فكرت كده، لكن بليغ كان ميت من الضحك، وأنا مش فاهم حاجة، ركب الأبنودى والشابين سيارة «كاديلاك» ووصلوا إلى الزمالك، وطلعوا، وفجأة لقى الأبنودى نفسه فى شقة مشفش زيها قبل كده، وواحد بيقول له إزيك: يا عبدالرحمن؟»، كان هو عبدالحليم..الأبنودى هاج وغضب من الطريقة، وعبدالحليم قدر يمتص غضبه بذكائه، وبدأ الكلام فى التعاون بين الاثنين..كانت ضحكة بليغ دليل على أنه عنده علم بالمخطط، كان ذكاء من عبدالحليم».
 
اتفق عبدالحليم والأبنودى وبليغ على التعاون.. فكيف تصرف رشدي؟.. يتذكر: «شرحت همى إلى صديق عمرى الروائى محمد جلال»..كان«جلال» وقتئذ صحفيا فى مجلة الإذاعة والتليفزيون وصار فيما بعد رئيسا لتحريرها«مواليد نوفمبر 1929 بقرية «كفر النحال– الزقازيق– محافظة الشرقية»، وتوفى فى 22 يناير 2010»، والأهم أنه كان روائيا تأثر بنجيب محفوظ فى عالم الحارة المصرية، وتعرف عليه رشدى بعد موال «أدهم»، وكان رصيده الروائى، «حارة الطيب» عام 1961و«الرصيف» عام 1962و«القضبان»عام 1965.
 
«جلال» بهذه المواصفات مثقف لكنه لم يكن بقوة وهيمنة كتيبة المثقفين التى يرتبط بها عبدالحليم حافظ، ومنهم، كامل الشناوى، مصطفى أمين، إحسان عبدالقدوس، أحمد بهاء الدين، ومع ذلك فإن رشدى وجد فيه كما يقول: «شخص يفكر معى بطريقة مختلفة، طريقة فيها فهم لعلاقة الغناء بالفكر والثقافة والسياسة، شخص ينورنى يقول لى كلاما مختلفا، أصبحت المسألة دى قضيتى بعد موال أدهم، أعرف مين؟ أصاحب مين؟ أكلم مين؟ بيشدنى الشخص المثقف الواعى»، وفيما بعد سيأتى دور رجاء النقاش.
 
 كان شبح الماضى يطارد رشدى بقوة، قال لجلال: «أنا لقيت طريقى مع الأبنودى وبليغ»، رد جلال: «لازم نبحث عن بديل.. فيه ملحن شاب اسمه حلمى بكر طاقته الفنية جيدة جدا، اذهب له»..هكذا وجد الملحن وبقى المؤلف.. يتذكر: «فى أحد الأيام وأنا فى معهد الموسيقى وجدت شابا اسمه «حسن أبوعتمان»..قال لى: أنا معايا أغنية فلكلورية جميلة وهتعجبك»..كان «أبوعتمان»المولود يوم 15 يوليو 1929 بالمحلة الكبرى والموظف بشركة «الغزل والنسيج»، يكتب أزجالا، ويمارس النشاط الفنى فى الشركة حتى تركها ليفتح صالون حلاقة خاص به..كان «يعشق جمال عبدالناصر، وحتى لقائه برشدى كان رصيده أغنية واحدة هي: «بنت الحلال اللى عليها النية/ تسوى ملايين بس لو بإيديه/ قولوا لأبوها المهر غالى عليا».. يضيف رشدى: «سمعت الكلمات: «أنا كل ما أقول التوبة يابوى ترمينى المجاديف/ ونعيمة تقول بحبه يابوى»..انبهرت بالكلمات لم أضيع الوقت.. جريت إلى حلمى بكر فى مسكنه (حجرة وصالة) فى الزمالك..انفعل «بكر» بالكلمات، ووضع لحن «ياحسن يامغنواتى» فحقق نجاحا مدويا».
تزامن ذلك مع معركة هائلة بين رشدى وعبدالحليم، وأصبحت الساحة الثقافية والفنية مشغولة بما يقدمه الاثنان».

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر