على الكشوطى يكتب: الفيل الأزرق2 يؤكد قدرة مصر على المنافسة بمجال الرعب

الفيل الأزرق 2 الفيل الأزرق 2
 
- مروان حامد يضع يده على تيمة الشعوذة ويفتح أفقاً أوسع لشكل ومضمون الفيلم التجارى العربى 
- مباراة تمثيلية بين كريم عبد العزيز وهند صبرى وسيطرة محكمة على إيقاع العمل وأداء الأطفال 
- الفيلم ينقل صناعة السينما لمنطقة جديدة
 
 
لسنوات طويلة ظلت السينما المصرية تحاول تقديم أفلام رعب منها «القصر الملعون» و«متحف الشمع» و«سفير جهنم» إضافة للتجارب الأحدث مثل «الأنس والجن» و«التعويذة» مرورًا بالتجارب الشبابية التى لم تضف شيئا لما سبق بل تعتبر هى الأضعف، ولكن الآن يبدو أنه آن الأوان لكى نعترف بأننا وضعنا قدمنا على أول الطريق الصحيح بتقديم فيلم «الفيل الأزرق» بجزئيه؛ الأول الذى شكل طفرة وقت طرحه، والثانى الذى تفوق على الأول بعدد من  المميزات، ويعرض الآن بموسم عيد الأضحى السينمائى.
 
المشاهد لفيلم «الفيل الأزرق» فى جزئه الثانى سيخرج من قاعة السينما بالعديد من النتائج الإيجابية فالفيلم أكد أن العمل قادر على نقل صناعة السينما المصرية إلى منطقة ليست جديدة من حيث العمر وإنما جديدة من حيث الاحترافية فى التناول والتقديم، ليشير العمل إلى مؤشرات مهمة وضرورية كان لابد وأن تتحقق قبل أعوام كثيرة، وهى أن مصر تستطيع أن تقدم فيلم رعب مصريًا بحبكة درامية مصرية خالصة، وليست تمصيرًا لعمل أجنبى بل قادرة على المنافسة فى مجال أفلام الرعب والدراما النفسية التى سبقنا إليها العديد من الدول بعضها لم تعرف صناعة السينما إلا حديثا بالمقارنة بالسينما المصرية العريقة التى أثرت وجدان الوطن العربى بالكامل لسنوات طويلة مضت وسنوات أخرى قادمة بلا شك.
 
المميز فى «الفيل الأزرق» سواء فى الجزء الأول أو الثانى هو أن العمل فرض منذ بداية أحداثه مبدأ «اللامنطقية» فى الأحداث وبالتالى أعطى السيناريست أحمد مراد مساحة كبيرة لإطلاق العنان للأفكار لرحاب أوسع ولتفاصيل لم نكن نقبلها إذا كان المؤلف يمنّطق الأحداث أو حاول أن يجعلها منطقية وأعطانا تسلسلا دراميًا اعتياديًا، وهو ما جعل المشاهد يترك ذهنه وتفكيره ويصدق ما يرى أمامه على الشاشة، وهى أبرز الإيجابيات التى قدمها الفيلم، بالسابق كنا نرى أفلام رعب تفجر الضحكات لأن صناع العمل لم يبرموا مع المشاهد اتفاقا مسبقا ينص على اللامنطقية فى الأحداث وبالتالى كانت تولد أفلام الرعب المصرية مشوهة كمسخ لا يفيد.
 
واعتمد أحمد مراد فى العمل على سرد الحكى معتمدا على الصورة المبهرة للمصور أحمد المرسى وبقيادة مخرج محترف هو مروان حامد، وهو أمر محبب لدى الجمهور المصرى والعربى ممن تربوا على الحدوتة المصرية والشخصيات التى كانت تنسجها الجدة مثل أبو رجل مسلوخة والنداهة وأمنا الغولة وأم الشعور وغيرها من الشخصيات التى ترسخت داخلنا، وبالتالى أحداث العمل استطاعت أن تثير داخل الجمهور هذا الشجن والحنين للماضى ولمشاعر الخوف والرهبة أثناء حكى تلك الحواديت وما كان تستدعيه أذهاننا فى هذا الوقت، لذا الغوص فى التراث المصرى الممزوج بالخرافات وقصص وحكاوى الجن والسحر والمس واللبس، قماشة فضفاضة تتحمل أن يغزل بها الكثير من الأحداث المشوقة والتى لا تمل منها وهو سر نجاح خلطة «الفيل الأزرق» الدرامية الممزوجة بكواليس تعاطى المخدرات، الأمر الذى جعل مروان حامد هو الأجرأ فى تناول مثل هذه الأمور وجلبها إلى شاشة السينما فى الوقت الذى كان يخاف فيه المخرجون من الاتهام بالترويج للسحر والشعوذة والدجل إلا أن حسبة مروان نجحت لأنه صدق وآمن بما يقدمه ليفتح أفقا أرحب وأوسع لشكل ومضمون الفيلم التجارى الذى يحمل التشويق والغموض والتمثيل أيضا وبالطبع باقى جوانب العمل من موسيقى إلى مونتاج وغيرها. 
 
ربما أبرز عوامل الجذب فى فيلم «الفيل الأزرق 2» هو حفاظ مروان حامد مخرج العمل على الإيقاع وهو مربط الفرس فى أى عمل تجارى وخصوصا فى نوعية أفلام الفيل الأزرق فالنفس اللاهث والأحداث المتصاعدة والمونتاج الموزون والموسيقى التصويرية لهشام نزيه والمؤثرات البصرية تحت إشراف ستيفن هاكر والكسندر كيسل والدخول والخروج فى عوالم غامضة وأزمنة مختلفة بإيقاعها تعتبر واحدة من أبطال الفيلم وجزء لا يتجزأ من أسباب نجاحه.
 
شهد فيلم «الفيل الأزرق» فى جزئه الأول مباراة تمثيلية بين كريم عبد العزيز وخالد الصاوى الملبوس فى شخصية الجن نائل، ولكن فى الجزء الثانى انتقلت المباراة لتكون بين كريم عبد العزيز وهند صبرى.
 
كريم عبد العزيز هو محور الأحداث والفلك الذى تدور من حوله كل ما يمر به أبطال الفيلم من حوله فهو المحرك الأساسى للدراما خاصة أنه تحدى الجن نائل داخل الأحداث وهو الأمر الذى جعله يعود لينتقم من جديد ويؤكد على جلاله وطغيانه وقوته التى لا تردع لكن كريم قبل التحدى وواجه مرة أخرى من جديد رغم ما تتعرض له أسرته من وراء ذلك.
 
كريم عبد العزيز قدم الشخصية كما ينبغى لها أن تكون فهو الشاب الذى أعيدت له الحياة التى فقدها بفوزه بحبه الأول بعد تجربة زواج انتهت بحادث راحت فيه زوجته وفلذة كبده، ليبدأ حياة جديدة مع نيللى كريم إلا أنه ينتكس وتتحول حياته إلى روتين ويعود لمعاقرة الكحول وتعاطى المخدرات ومنها حبوب «الفيل الأزرق».
 
أداء كريم لم يختلف عن أدائه فى الجزء الأول فأداؤه متقن ومقنع ولكن المميز فى أداء كريم بالجزء الثانى من العمل المشاهد التى جمعته بهند صبرى «فريدة» اللغز الذى يحاول فك طلاسمه للوقوف على جريمة القتل الذى راح فيها زوجها وابنتها ذبحًا.
 
جلال وبهاء المشاهد التمثيلية لا تكمن فى الأداء الفردى فكلما كان الممثل الذى تقف أمامه محترفا وقويا يرفع من أداء من أمامه لمراتب أعلى وأعلى فيظهر المشهد بمزيد من الاحترافية وهو ما حدث فى مشاهد استجواب كريم لهند صبرى التى حافظت بشكل كبير على الشعرة بين شخصية فريدة الملبوسة وشخصيتها الحقيقية كزوجة وأم، قتلت زوجها وابنتها دون رغبة منها، فتلك الشعرة مع المؤثرات البصرية والموسيقى التصويرية والكادرات التى اختارها مروان حامد مع الأداء التمثيلى لكل من كريم هند أكملت اللوحة وجعلتها متقنة وتصدق.
 
من المعروف فى مجال الصناعة أنه من الصعب دوما التحكم فى أداء الأطفال والحيوانات كما يريد المخرج، لكن مروان حامد استطاع أن يتحكم فى ذلك الأمر خاصة فى الأداء التمثيلى لنجل كريم عبد العزيز ونيللى كريم والذى قدم شخصية «زياد»، خاصة أن الطفل قدم مشاهد صعبة على سنه منها مشهد الغرق فى حوض الاستحمام بحمام المنزل وأيضًا ما تلاه من وجوده غريقا داخل حوض المياه وهو ما يطلب حذرا شديدا للحفاظ على حياة ذلك الطفل الذى قدم مشاهده ببراءة وإتقان.
 
ضيوف شرف الجزء الثانى من الفيلم شكلوا هم أيضًا إضافة كبيرة فكل منهم قدم مشهده بشكل احترافى بداية من خالد الصاوى والذى ظهر فى مشهد وحيد عندما حاول كريم عبد العزيز الاستعانة به لحل قضية هندى صبرى «فريدة عبيد» مرورًا بالفنان إياد نصار والذى جسد شخصية الطبيب المشرف على حالة هند صبرى وتقديمه الشخصية بتوليفة وطعم إياد نفسه فهو الفنان الحريص دوما على ألا يتشابه دور قدمه مع آخر وهو ما يعطى لنصار مكانة متميزة بين أبناء جيله، تارا عماد بائعة حبوب الفيل الأزرق وأحمد خالد صالح زوج الغجرية و مروان يونس ومحمود جمعة وولاء الشريف جميعهم شكلوا إضافة للعمل رغم صغر المساحة التى كتبت لهم.
 
يحسب للمخرج مروان حامد أنه حافظ على عنصر المفاجأة طوال أحداث الفيلم حتى بعد حل المشكلة الرئيسية وصرف الجن الذى تلبس شخصية هند صبرى، إذ ترك أحمد الكثير من الخيوط الدرامية مفتوحة تمهيدا للجزء الثالث من الفيلم فبكل تأكيد إهدار قماشة الفيلم وعدم استغلالها فى أجزاء جديدة فى ظل نجاح العمل وتحقيقه إيرادات ضخمة يعتبر إهدارا للفرص فالسينما العالمية قدمت العديد من الأفلام حول الدمية أنابيل بمجرد الشعور بأن الجمهور لديه قابلية لتقبل المزيد حول تلك الدمية وغيرها من الشخصيات والتيمات التى تقدم على أجزاء طويلة إلى أن يتشبع الجمهور منها ويصبح لديه شغف بأمر مختلف، لكن فى حالة الفيل الأزرق فتقديم جزء ثالث منه ضرورة حتمية تحسب لصناعه وعلى رأسهم الشركة المنتجة «سينرجى فيلمز» لا لشىء سوى للتأكيد على القدرة على صناعة مثل هذه النوعية المتميزة من الأفلام ولإرساء قواعد جديدة لفيلم الرعب والدراما النفسية بشكله ومضمونه المصرى الخالص.
 
ذكاء اختيار الخطوط الدرامية المفتوحة بالعمل يحسب للمخرج مروان حامد ولمؤلف الفيلم أحمد مراد فهو ترك المجال مفتوحا أمام شخصيات محببة للجمهور على الشاشة فشخصية خالد الصاوى التى تسبب الجن فى قطع لسانه داخل أحداث الجزء الثانى من الفيلم من الممكن أن يعود لساحة الأحداث من جديد فى الجزء الثالث كما أن شخصية «ديجا» راسمة التاتو والتى قدمتها شيرين رضا أمرها غير محسوم بل من المتوقع أن تحمل شخصيتها مزيدا من الدراما خاصة بعد ظهورها فى صورة تحدى لشخصية يحيى «كريم عبد العزيز» فى الفيلم واستمرارها فى استخدام السحر، كما أن شخصية نيللى كريم شقيقة الصاوى وزوجة كريم عبد العزيز وأم نجله بالفيلم كشفت الأحداث فى الجزء الثانى من العمل أن هناك كواليس لم يكن يعرفها المشاهد من قبل كقيامها بالمنافسة على زوج هند صبرى زميلهم بالبنك، وكمحاولتها قتل ابنتها بوضع الحبوب فى زجاجة الحليب وغيرها من الأمور التى تشير إلى وجود ألغاز فى حياة تلك المرأة، وأن هذا الوجه الجميل ربما يحمل وراءه الكثير والكثير من الخلفيات والتفاصيل التى يبدو أن مراد أشار إليها دون حسم أمرها كنوع من التشويق إلا أن هناك خطا دراميا مبهما من الممكن أن يكون محورا جديدا من محاور الجزء الثالث الذى بدأ الجمهور من الآن بالمطالبة بسرعة تقديمه. 
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر