أم البطل تتحدث.. كيف شاركت شريفة فاضل فى الحرب بالروح والدم؟

شريفة فاضل شريفة فاضل
 
زينب عبداللاه

كان للفن دور كبير فى تجسيد فرحة نصر أكتوبر وبث الحماس فى نفوس المواطنين ونقل تفاصيل أحداث العبور والانتصار وفرحة الجنود وتضحياتهم، وعبر الفنانون عن هذه المشاعر وعن فرحة الجيش والشعب وعن صبر السنوات حتى تحقق النصر من خلال الأغانى والأعمال الفنية والدرامية والسينمائية التى لولاها ما عرف الناس أحداثا وتفاصيل كثيرة عن أحد أهم الأحدث الفارقة فى تاريخ مصر والأمة العربية.

ورغم دور الفن فى أوقات الحرب وحرص الفنانين والمشاهير على الوقوف إلى جانب الجيش خلال هذه الأحداث الحاسمة بأعمالهم الفنية، إلا أن الكثيرين منهم لم يكتفوا بهذا القدر وتجاوز عطائهم حدود الأعمال الفنية والغناء والتمثيل، فشاركوا بالروح والدم والجسد أو ضحوا بأعز الأحباب فداء لتراب الوطن وتحرير أراضيه، ومن هؤلاء الفنانين سلطانة الطرب شريفة فاضل الشهيرة بأم البطل.

"ابنى حبيبى يانور عينى بيضربوا بيك المثل..كل الحبايب بتهنينى طبعا ماانا أم البطل"..هذه الكلمات التى نسجتها شريفة فاضل بالدم والدموع لتغنى أشهر وأصدق أغانى الحرب "أم البطل" ،التى رسخت فى وجداننا ولمست قلوب أجيال معبرة عن مشاعر أمهات الأبطال، فكانت أصدق ما سمعناه ورددناه عن أم البطل، سواء فى الانتصارات أو مع صعود الشهداء الأبرار إلى الجنة.

يبقى السر فى صدق هذه الأغنية وبقائها أنها لم تكن مجرد كلمات جميلة كتبتها شاعرة كبيرة مثل نبيلة قنديل أو لحنها ملحن عبقرى بحجم على إسماعيل، وغنتها مطربة كبيرة بحجم سلطانة الطرب شريفة فاضل، ولكن السر أن هذه الكلمات تعبر عن تجربة ومشاعر حقيقية عبرت فيها أم البطل شريفة فاضل التى قدمت ابنها فداء للوطن عن مشاعر كل أمهات الجنود الأبطال وفرحتهم بالنصر حتى وإن كان ثمن هذا النصر دماء أبنائهن الطاهرة.

 وفى حوار لـ"عين" مع أم البطل شريفة فاضل التى أصابها الوهن والضعف ولم تعد تخرج من غرفتها، انطلقت كلماتها ودموعها وهى تحكى عن كواليس هذه الأغنية ليختلط فيها مشاعر الحزن بالفخر والشوق وهى تمسك بصورة ابنها الشهيد السيد سيد بدير، وتغمض عينيها وكأنها تراه وتقترب منه.

تعيش الفنانة الكبيرة وأم البطل فى عالم خاص لعلها تجد فيه ريح أحباب رحلوا وتركوا قلبا يدمى ويتشوق للقاء بعد الفراق،لا تتحسر على السنوات التى مرت والأضواء التى غابت والرفاق الذين رحلوا والأصدقاء الذين نسوا والتلاميذ الذين كبروا وابتعدوا،تعيش متصالحة مع نفسها وعمرها وتاريخها وعزلتها.

تجلس المطربة شريفة فاضل وحيدة فى حجرتها ولا تغادرها، يعتقد البعض أنها رحلت، بينما لا يعرف جمهور الشباب الذين يستمعون إلى هذه الأغنية اسم صاحبتها التى حازت لقب سلطانة الطرب فى زمن الفن الجميل.

ورغم مرور سنوات طويلة اقتربت من نصف قرن على استشهاد ابنها وعلى هذه الأغنية إلا أن الفنانة الكبيرة لا تكف عن البكاء كلما سمعتها ورددتها، وتتذكر ابنها الشهيد الذى غنت من أجله هذه الأغنية لتهديها إلى كل أمهات الأبطال سواء الأحياء أو الشهداء، ولتكون الأغنية الوحيدة التى تتحدث بلسان أم البطل.

تبكى المطربة والفنانة الكبيرة شريفة فاضل وهى تتذكر ابنها الشهيد سيد السيد بدير، ولا تتمالك دموعها عندما تتحدث عنه، وعن هذه الذكرى التى فقدت فيها ابنها الأكبر وأول فرحتها.

ففى منتصف الخمسينيات تزوجت شريفة فاضل من المخرج والممثل السيد بدير، وأنجبت منه ولدين «سيد، وسامى»، وحققت نجاحات كبيرة، ثم انفصلت عن السيد بدير.

استشهد ابنها البطل الطيار سيد السيد بدير فى حرب الاستنزاف، فأصيبت شريفة فاضل بصدمة شديدة، وقالت فى حوارها معنا: "استشهد ابنى خلال حرب الاستنزاف وقبل انتصارات أكتوبر، بعد تخرجه وتلقيه تدريبات على الطيران فى روسيا، كان ابنى الكبير وأول فرحتى، وتوقفت عن الغناء بعد هذه الصدمة".

وعن عودتها للغناء بعد هذه الصدمة قالت أم البطل: "فرحت لما انتصرنا فى أكتوبر وطلبت من صديقتى الشاعرة نبيلة قنديل تكتب أغنية عن أم البطل المقاتل، علشان كل أمهات الأبطال اللى استشهدوا واللى انتصروا، ونبيلة قعدت فى غرفة ابنى الشهيد نص ساعة، وخرجت ومعها كلمات أغنية أم البطل، وبكيت وأغمى عليا لما سمعت الكلمات، وبعدها طلبت من الملحن على إسماعيل تلحينها وذهبت إلى الإذاعة لتسجيلها".

تبكى وهى تتذكر هذا اللحظات: "كلمات الأغنية كانت صعبة عليا، واتأثرت وأغمى عليا أكتر من مرة وأنا بأغنيها، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلى طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت وسجلتها فى يوم واحد، وكنت دايما بأغنيها آخر أغنية فى الحفلات علشان ما بقدرش أغنى بعدها".

أصيبت أم البطل بنزيف فى الشرايين أثناء غناء الأغنية فى إحدى الحفلات وتوقفت فترة عن الغناء، ثم عادت من جديد، وبقيت أغنيتها رمزا لعطاء ومشاعر وصدق أمهات جنودنا الأبطال.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر