فى ذكرى رحيل شاعر العقل.. نجيب سرور أبرز رواد مسرح الستينات

نجيب سرور نجيب سرور
 
باسم فؤاد

تمر اليوم ذكرى رحيل شاعر العقل نجيب سرور، الذى ولد فى قرية صغيرة من قرى الدقهلية الفقيرة تسمى "إخطاب"، مركز أجا، وتلقى تعليمه فى المدارس الحكومية المجانية المكتظة بالتلاميذ، يتعلمون بشروط بائسة القليل من المعرفة والعلم بعكس مدارس المدن الكبيرة أو المدارس الخاصة ذات المصاريف الباهظة.

كان أبواه يتعرضان للمهانة والضرب من قبل عمدة القرية الذى كان جشعًا جلفـًا ظالمًا قاسى القلب يتحكم فى أرزاق الفلاحين وفى حياتهم، وكانت هذه النشأة سببًا فى ترك بذور الثورية فى نفس الفتى الذى امتلأ قلبه حقدا على الإقطاعيين وسلوكهم غير الإنسانى تجاه الفلاحين.

ورغم كل ذلك فقد تميز سرور فى أشعاره بالرقة ورهافة الإحساس، وكان كبير القلب وإنسانًا فى جميع المواقف، التى ألمت به على مدى حياته، ورغم الظلم الذى تعرض له، منذ بداياته، فإنه لم ينكسر يومًا من الأيام أمام ظالم أو مستبد.

جعل نجيب سرور من الدفاع عن المهمشين والفلاحين والمنكسرين قضية عمره، وجسدها فى كل أعماله المسرحية تقريبًا، وذلك لإدراكه أهمية عالم المسرح بالنسبة لهذه القضية، الأمر الذى جعله يترك دراسته الجامعية فى كلية الحقوق قبل التخرج بقليل والالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية والذى حصل منه على الدبلوم فى عام 1956 وهو فى الرابعة والعشرين من العمر.

ولع نجيب بالأدب والفلسفة وشغفه بالقراءة وكتابته للشعر بالعربية الفصحى لم يكبت رغبته الدائمة بمخاطبة الناس عبر المسرح. كان التمثيل فى نظره أداة التعبير الأكثر نجاعة. ويقول أصدقاؤه إنه لم يلقِ عليهم قصائده بل قام بتمثيلها. وكان له من المهارة فى الأداء والتحكم بتعابير الوجه وحركة اليدين ما يشد الناس إليه فينشدوا بكليتهم إلى موضوع القصيدة أو الحديث مثيرا عواطفهم ومشاعر الحب أو الكراهية والضحك أو العبوس وتدفق الدموع حسب الموقف.

أى موضوع عند نجيب سرور هو مادة يسخرها لربط الأمور وتسليط الضوء على أسباب معاناة الناس والظلم والاستغلال والتخلف. هذه البراعة عند نجيب سرور أساسها دراسته لفن التمثيل فى المعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة وقد حرص على التعرف فى المغرب على المدارس المختلفة فى الفنون المسرحية، وانتقاء منها ما يريد بحرية وشجاعة ودون قيود فأصبح بعدها يتوق إلى العودة إلى مصر ليلتحم بشعبه ورفاقه وطليعة المثقفين المصريين، ويقوم بدوره النضالى من أجل أن تحيا مصر ويسعد شعبها.

مع عودة الشاعر إلى مصر عام 1964 بدأت حياته الفنية والأدبية والسياسية التى استمرت قرابة الأربعة عشر عامًا حتى وفاته، متأرجحة بين النجاح والمعاناة الشديدة، بكتابة وتقديم النصوص الدرامية ومسرحياتها، استهلها فى عام 1965 بعمل مسرحى من إخراج كرم مطاوع بعنوان "ياسين وبهية".

وتعد الأغنية الشعبية هى الركيزة لأعمال سرور المسرحية، ولا سيّما ثلاثيته: "ياسين وبهية" عام 1964، و"آه يا ليل يا قمر" عام 1966م، و"قولوا لعين الشمس" عام 1972، واستطاع سرور أن يحقق التلاؤم بين الأصل الشعبى للأغنية وبين قضايا العصر.

ثم كتب مسرحية "يا بهية وخبرينى" عام 1967 بإخراج كرم مطاوع ثم "آلو يا مصر" وهى مسرحية نثرية، كتبت فى القاهرة عام 1968 و"ميرامار" وهى دراما نثرية مقتبسة عن رواية نجيب محفوظ المعروفة من إخراجه عام 1968. استمر تألق نجم نجيب سرور مع هذه الأعمال التى نشرت معظمها كتبًا فى طفرة الصعود فى السبعينات.

فى عام 1969 قدم نجيب سرور من تأليفه وإخراجه المسرحية النثرية الكلمات المتقاطعة التى تحولت فيما بعد إلى عمل تليفزيونى أخرجه جلال الشرقاوى، ثم أعاد إخراجها للمسرح شاكر عبد اللطيف بعد عشر سنوات، واستمر تألق هذا العمل الفنى حتى عام 1996. وفى عام 1969 قدم المسرحية النثرية الحكم قبل المداولة، وقد قام بتحقيقها ونشرها كاملة الباحث الجاد محمد السيد عيد. وكتب المسرحية النثرية البيرق الأبيض، وفى عام 1970 قدم ملك الشحاتين وهى كوميديا غنائية مقتبسة عن أوبرا القروش الثلاثة لبرشت، و"الشحاذ" لجون جاى من إخراج جلال الشرقاوى.

تجددت معاناة نجيب سرور بشدة فى العام 1971 عندما كتب وأخرج العمل المكرس لمذابح أيلول الأسود فى الأردن بعنوان الذباب الأزرق فى قالب الكوميديا السوداء، إذ منع عرض هذه المسرحية من قبل أجهزة الرقابة فى القاهرة. ثم كتب فى العام 1974 المسرحية الشعرية "منين أجيب ناس"، وقد عُرضت فى نفس العام أعقبها بمسرحية نثرية لم تُعرض وتحمل عنوان "النجمة أم ديل"، ثم بالدراما الشعرية المقتبسة عن مسرحية هاملت لشكسبير وحملت العنوان "أفكار جنونية فى دفتر هملت".


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر