«The Irishman».. رحلة ممتعة فى عالم الجريمة ومباراة تمثيلية بين الكبار

الأيرلندى الأيرلندى
 
على الكشوطى
فى البداية دعونا نتفق أن للمخرج مارتن سكورسيزى طبيعة خاصة جدا فى تقديم أفلامه، لذا إعلانه عن إخراج فيلم كافٍ، ليجعل العديد من محبى السينما الحقيقية ينتظرون وبشغف أعماله المتميزة، ودعونا نتفق أيضا أن نوعية الأفلام التى يقدمها سكورسيزى ليست كغيرها من أعمال المخرجين الآخرين، فهى أعمال أصيلة لا تشبه غيرها، فهو مدرسة خاصة جدا فى السينما، لذا المتابع لفيلم سكورسيزى الأيرلندى يجب أن يعى أن الفيلم لا يجب أن يخضع لمقاييسه التى قد يكون أعدها نتيجة حصيلة مشاهداته السابقة، لذا إذا شعرت بأن الفيلم طويل وأنك غير قادر على استكماله، فهو أمر طبيعى، ولكن لا تطاوع نفسك لأنك ستفوت الكثير من المتعة.
 
محبو أفلام الجريمة وعالم المافيا سيكون فيلم الأيرلندى وجبة مفضلة لديهم، فالعمل يحمل الكثير والكثير من المتعة وأعمال العقل والاستحواذ على التفكير، فهو يعود لأحداث حقيقية من كتاب تشارلز براندت: «سمعت أنكم تطلون المنازل»، ويتناول عالم الجريمة المنظمة فى الولايات المتحدة خلال الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، وتنامى قوة الزعيم النقابى الأسطورى جيمى هوفا، وخلافاته مع كبار رجال عالم الجريمة ثم اختفائه الغامض.
 
الكثير والكثير من التفاصيل التى قدمها سكورسيزى بالعمل، ما جعله واحدت من أغنى الأعمال التى تنتمى لعالم الجريمة لما يضمه من تفاصيل وكواليس حول هذا العالم المحفوف بالمخاطر.
 
 
اختار سكورسيزى أن يبدأ عمله الغنى من خلال السرد، فتبدأ الحدوتة من داخل دار للمسنين والعجزة، حيث يجلس فرانك شيران الذى يجسده روبرت دى نيرو، يروى كيف تلوثت يداه بالدماء طوال فترة مجاورته لأخطر الرجال حول العالم.
 
يجلس دى نيرو يروى القصة من بدايتها، وكيف بدأت علاقته بـجو بيشى «راصل» وكيف وصل ليكون ذراعا يتكئ عليها هوفا «آل باتشينو» وينفذ له كافة متطلباته فى عالم الجريمة، إلى أن تتنامى قواه ويصبح عضوا أساسيا فى اللعبة، لكنه يظل الرجل المطيع الذى ينفذ الأوامر دون مناقشة. 
 
استخدم سكورسيزى خاصية جديدة تقوم بتصغير سن الممثل، وهى طفرة نوعية فى عالم المكياج وتمنح المخرج أقصى أمانيه فى تناول الأحداث فى أزمنة مختلفة دون الاستعانة بممثل شاب لمراحل عمرية مبكرة لشخصيات العمل، حيث نرى على الشاشة ثلاثة من كبار النجوم فى أعمال مختلفة لهم أعطت الكثير من المصداقية للأحداث، رغم أنها قد لا تتناسب مع الجميع، لكن نتيجتها مع سكورسيزى ليست فى أقصى بهائها ربما مع مزيد من الخبرة فى استخدامها ستكون أفضل وأفضل فى أفلام مقبلة. 
 
قيام الثلاثى الحاصل على الأوسكار دى نيرو وآل باتشينو وجو بيشى ببطولة الفيلم فى حد ذاته إنجاز يحسب لسكورسيزى كمخرج، لكنه ليس الإنجاز الوحيد، فإدارة الثلاثى أيضا إنجاز كبير، خاصة أن كلا منهم ممثل من العيار الثقيل، فكل منهم له نجاحاته وصولاته وجولاته، وبالتالى كان على سكورسيزى أن يستخلص منهم عصارة سنوات الخبرة بما يخدم العمل، وهو ما نجح فيه بنسبة كبيرة، خاصة فى المشاهد التى جمعت الثلاثى فى مساحة واحدة وأبرزهم مشاهد الحفل الذى يكرم فيه دى نيرو على مسيرته فى العمل النقابى الذى رشحه له هوفا، ليقدموا مباراة تمثيلية معتبرة.
 
الخوف على هوفا بدأ يدب فى قلوب رفيقيه راصل وفرانك، خاصة مع عناده بعد خروجه من السجن ومحاولته العودة لمنصبه كزعيم لنقابة العمالية فى ظل تصريحاته التى تشير إلى فضح أسرار عالم الجريمة ليتحول إلى مصدر إزعاج لرواد هذا المجال، وبالتالى فالتخلص منه أسلم الحلول، ولكن كيفية التخلص منه هذا هو محور الفصل الثالث والاخير من الفيلم فالاول رصد تنامى قوة فرانك بعدما أصبح رفيقا لراصل، والفصل الثانى يؤكد على ما وصل إليه فرانك مع زيادة فى السلطة والنفوذ والمال بعدما رافق هوفا.
 
من المؤكد أن الكثير يبعد تماما احتمالات التخلص منه على يد فرانك الذى رافقه على مدى سنوات طويلة، ولكن إجابة هذا التساؤل سيجيب عنها الفيلم.
 
يقول دى نيرو «فرانك» أو الأيرلندى الذى تدور حوله الأحداث، إنه قام بما قام به لحماية أسرته وأولاده، لكن فى النهاية فقد كل ما حاول حمايته، فبنته التى كان معنيًّا بها طوال الوقت اعتبرته غير مرئى بالنسبة لها وأخواتها غير مكترثين بما وصل إليه الأب، والوحدة هى السبيل الوحيد للأيرلندى.
 
فيلم الأيرلندى نموذج للأفلام التى تستحوذ على كل حواسك بمجرد ظهور أول لقطة على الشاشة، فالديكورات والإكسسورات والملابس والموسيقى التصويرية والمونتاج على وتيرة واحدة لا توجد بهم غلطة واحدة، جميع تلك العناصر تتناغم فى لحن واحد يطرب مستمعيه ويأخذهم إلى عوالم أخرى.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر