زينب عبداللاه تكتب: فى حب زمن الملكة فريدة فهمى

فريدة فهمى فريدة فهمى
 

لم تكن مجرد راقصة أو بطلة لأشهر فرقة استعراضية للفنون الشعبية فحسب، ولكنها أبدعت وسحرت العالم وهى تقدم على أكبر مسارحه أجمل الرقصات، مرتدية زى الفلاحة والسيناوية والنوبية والصعيدية، لترسم بفنها وجسدها صورة حضارية لنساء مصر.

 كانت فريدة فهمى، التى تحتفل اليوم بعيد ميلادها، أنجح سفيرة عبّرت مع فرقة رضا عن حضارة بلدها وفنونها وروح شعبها وعن جمال وعراقة الفن المصرى.

تجلس ملكة الاستعراض فريدة فهمى، التى أكملت اليوم عامها الثمانين فى شقتها بمنطقة الزمالك، تعيش فى عالمها الخاص الذى يحمل روح زمن جميل وأمجاد فرقة وفنانة غير عادية، ومن فرط التواضع ربما لا تدرك أنها كانت وما زالت أيقونة من أيقونات تحرر المرأة وتغيير النظرة إلى جسدها، بتغيير مفهوم الرقص الشرقى والنظرة التقليدية إلى الراقصة كمجرد فتاة أجبرتها الظروف على احتراف ذلك الفن، فكان جسدها هو أداتها لكسب المال والقوت بهز الوسط وإثارة الغرائز، ولكن استطاعت فريدة فهمى أن تكسر هذه التابوهات، فهى المثقفة ابنة أستاذ الجامعة المستنير والأسرة الأرستقراطية، وهى الفتاة الجامعية التى أكملت دراستها، وهى بطلة لأكبر فرقة استعراضية، فحصلت على ليسانس الآداب، وماجستير فى علم الأعراق من أمريكا، ودرست حتى أصبحت أستاذة فى أعرق الجامعات العالمية، وهى التى جعلت من الرقص أداة للتواصل والثقافة، وصورة من صور التعبير عن الحضارة والتراث.

تحمل فريدة فهمى ملكة فن الاستعراض والرقص الشعبى نفس روح تلك الطفلة التى وقفت فى سن العاشرة ترقص بأحد مدرجات كلية الهندسة بجامعة القاهرة، التى كان والدها حسن فهمى أستاذا فيها، ومؤسسا لقسم هندسة الإنتاج بها، مرتدية جلباب فلاحة، صممته والدتها الإنجليزية التى قابلها الأب أثناء بعثته إلى إنجلترا، فأحبها وأسلمت وعاشت معه فى مصر، وعشقت أرضها وريفها وفنونها وتراثها، وأنجبت ابنتيها ديدة وميلدا التى حملت فيما بعد اسم فريدة.

واكتملت منظومة وأضلاع فرقة رضا، وكان ميلادها بعد أن تعرفت فريدة فهمى وشقيقتها ديدة على الأخوين على ومحمود رضا، وجمعهم الحب والفن فأحبت ديدة الفنان محمود رضا وتزوجته، وبعدها جمعت قصة حب بين قلبى المخرج على رضا والشقيقة الصغرى ميلدا، وتكونت فرقة رضا التى غيرت مسار الرقص فى مصر والشرق الأوسط، وجعلته خير صورة للحضارة والتراث المصرى.

 تجسدت ملحمة من الحب والفن فى هذه العائلة الفريدة، فكانت الأم والابنة الكبرى ديدة تعملان على تصميم وتنفيذ ملابس الفرقة، بينما كانت فريدة بطلة الفرقة وفراشتها ونجمتها، وكان المايسترو محمود رضا مبدع الفرقة ومديرها وبطلها ومصمم الرقصات والعقل والروح التى بثت فيها الحياة والإبداع، كما استطاع الموسيقار على إسماعيل أن يخلق لونا جديدا من الألحان والأغانى التى ميزت فرقة رضا واستعراضاتها، فغيرت الفرقة مفهوم الرقص، وحققت نجاحا منقطع النظير، وكانت خير سفير للفن المصرى فى الخارج، وأصبحت فريدة فهمى نموذجا جديدا فريدا وأيقونة من أيقونات التحرر وتغيير المفاهيم، لا يمكن أن ترى فيما تقدمه إلا الفن والرقص الراقى البعيد عن الإثارة والابتذال، المعبر عن الثقافات المصرية.

وفى زيارة للملكة فريدة فى بيتها الهادئ بحى الزمالك، الذى يحمل نفحات وروائح الزمن الذهبى، تحدثت عن تلك الروح التى كانت تميزها وتميز فرقة رضا، عن هذا الجهد الذى جعل منهم باحثين عن التراث، يسافرون إلى كل مناطق مصر، ويقتربون من أهلها فى القرى والنجوع، ويجرون أبحاثا ميدانية؛ ليصلوا إلى أدق التفاصيل فى الملابس والحركة والموسيقى والغناء، ويواصلون الليل بالنهار حتى يترجموا كل هذه المعلومات فى رقصات تعبر بصدق عن التراث المصرى، تحدثت بشجن عن كيف كانت والدتها وشقيقتها تدققان فى أصغر التفاصيل حتى تترجم الملابس كل هذه الثقافات.

تحدثت الملكة فريدة بحزن شديد عن صدمة عمرها فى وفاة شقيقتها الوحيدة ديدة فى ريعان شبابها، بعد رحلة مرض بالقلب، وكيف اضطرت هى وزوج شقيقتها محمود رضا إلى الوقوف على المسرح والرقص مع الفرقة فى اليوم التالى لدفن الشقيقة والحبيبة والزوجة وهما يعتصران ألما وحزنا.

رقصت فريدة فهمى وفرقة رضا أمام ملوك ورؤساء العالم وعلى أكبر المسارح فى لندن وباريس وأمريكا والصين والاتحاد السوفيتى وجنيف، ووصل عدد العروض التى قدمتها الفرقة إلى أكثر من 3000 عرض مسرحى، كما قدمت ثلاثة أفلام استعراضية: "غرام فى الكرنك، إجازة نصف السنة، حرامى الورقة"، واستمرت فرقة رضا بعد تأميمها تقدم أعظم الأعمال والاستعراضات حتى عانت من البيروقراطية وأصابها الوهن وضاعت الأحلام الكبيرة.

واعتزلت فريدة فهمى الرقص وهى فى سن الأربعين، وتركت فرقة رضا، ولكنها كانت تحاضر فى جامعات العالم، وعاشت أحزانا كبيرة بمرض زوجها المخرج الكبير على رضا، الذى اقتسمت معه الحب والنجاح والأحلام والعمر، وعانت من صدمة وفاته، ثم مرض والدتها ووفاتها، وتعيش الآن على ذكريات زمن جميل ومجد لن يزول.

 وتبقى فريدة فهمى دائما ملكة الاستعراض وأيقونة الرقص الشعبى، وحين تراها تحتفظ برقتها وجمالها وتواضعها تتذكر تلك الأبيات التى رقصت عليها، وكأنها كُتبت خصيصا لها ولا تناسب غيرها: "عجبا لغزال قتّال عجبا كم بالأفكار وبقلوب لعبا.. يخطو بدلال فيثير الشهبا".. كل عام وأنت رمز من رموز التحرر والإبداع وسفيرة للتراث والفن.. كل عام وأنت ملكة فريدة أهداها لنا الفن.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر