على الكشوطى يكتب: «البانو».. أن تكون طفلا يطمع به الرجال

 

وحده المتحرش به هو الذى يشعر بمدى صعوبة أن تكون رجل يطمع فيه الرجال.. والأصعب من ذلك أن تكون طفلا، ذلك الأمر الذى يفتح له العديد من التساؤلات لماذا أنا؟، هل أنا السبب؟ هل تصرفت بأى شكل خاطئ يجعلنى مطمع للرجال؟ هل جسدى السبب؟ تساؤلات عديدة تلك التى تدور بذهن أى طفا تعرض للتحرش، ما يجعله يكره ذاته وجسده وحياته بالكامل.

المخرجة التونسية أنيسة داود فى فيلمها القصير "البانو" المشارك بمسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الجونة، قدمت نموذج هو الأصعب والأكثر قهرا للمتحرش به، فهو لم يقع ضحية شقى فى أحدى الشوارع أو استدرجه أحد لمكان مهجور مثلا وإنما نموذج لطفل وقع ضحية عمه بمجرد أن خضع لعملية ختان الذكور المعروفة فى مجتماعتنا العربية.

قدمت أنيسة هذا النموذج الذى صار رجلا لكنه ظل حبيسا لصورة من الماضى صورة وقفت عندها حياته وربما تغيرت لباقى عمره، طفل لا يحمل داخله سوى البراءة يجد نفسه بين ساقى عمه الذى يخبره بأنه الاقرب لقلبه وأنه لا يجب أن يخبر أحدا ليتحمل ذلك الطفل ما لا يتحمله بشر لتنهشه مشاعر الخزى والعار والقهر وفقدان الثقة والامان ليصبح مخلوقا مشوها من الداخل لا يشعر به أحد سوى نفسه.

WhatsApp Image 2020-10-29 at 12.48.08 PM (1)
 
WhatsApp Image 2020-10-29 at 12.48.08 PM
 
WhatsApp Image 2020-10-29 at 12.48.09 PM (1)
 
WhatsApp Image 2020-10-29 at 12.48.09 PM
 
بلورت المخرجة أنيسة داود بذكاء شديد ذلك الصراع الذي يعيش فيه بطل الفيلم الطفل الذي نضج وبداخله تشوه فكري وجنسي وتساؤلات أكبر بكثير من سنه، لكنه يكمل حياته محاولا استكمالها وكأن شئ لم يكن، ولكن لا يستطيع أحد أن يغفل ماضيه خاصة وأن كان بكل هذا الكم من القسوة والوجع والآلم.
 
رصدت أنيسة ذلك التشوه الناتج عن اغتصاب ذلك الطفل وتأثيره عندما أصبح أب، فهو ليلا نهارا يعيش في ذلك الصراع ما بين مشاعر الأبوة تجاة طفله الذي يجده نسخة مصغرة منه فيحاول حمايته مما مر هو به، وبين مشاعره تجاه طفله التي انحرفت فأصبح يخاف علي طفله من نفسه ويخشي أن يتحول هو إلي جاني ويتحرش بابنه كنتيجة لذلك التشوه الذي خلفه العم داخل صدره في طفولته التي أصبحت كابوس قلما ما يفيق منه واذا فاق يجد الألاف العلامات التي تذكره بماضي ليس له قدرة علي تغييره.
 
الفيلم في حد ذاته يعتبر كسر لواحد من التابوهات التي يغفلها كثير من صناع السينما، واذا تم تناولها ربما يخرج العمل بشكل خادش أو بمشاهد جنسية تدمي القلوب لكن أنيسة داود كان لديها من الحكمة أن تقدم العمل بشكل يصل إلي مشاعر الجميع وربما يبكيهم ويستفذ مشاعرهم ولكن دون مشهد واحد يخدش الحياء أو حتي تستفره العين، علي العكس قدمت أنيسة صورة غاية في الروعة ضفرت فيها كل مقاومات الصورة الجيدة من إضاءة لأكسسوارات لملابس لديكورات لموسيقي تصويرية لتقدم في النهاية عمل يحترم يناقش قضايا في الوطن العربي قلما ما نراها علي الشاشة بحكمة وحنكة مقدمه رسالة غاية في الأهمية بأداء راقي للممثل محمد الداهش الذي قدم شخصية "عماد"، وتأثيرات ماضيه عليه فالجميع يعلم أن تعيش كرجل مغتصب أو متحرش به في وطنا العربي تلك بكل تأكيد حياة ليست كأي حياة فالأغلب يتجه للإنتحار أو التحول لمتحرش جديد أو يجد لذته في أحضان الرجال لكن الأصعب وهو ما أختارته أنيسة في فيلمها هو أن تظل تقاوم وتقام تلك التأثيرات حتي آخر نفس.
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر