جمال عبد الناصر يكتب : سيد درويش .. المجدد العبقري سابق عصره

فنان الشعب سيد درويش .. المجدد العبقري فنان الشعب سيد درويش .. المجدد العبقري
 
كتب : جمال عبد الناصر

المجدد سابق عصره فنان الشعب سيد درويش ، هذا العبقري أدخل تطورات في أساليب التلحين والغناء وجدد الفكر الموسيقي، فبعد أن كان الغناء المصري يهتم بالدرجة الأولي بعنصر التطريب واستعراض امكانيات صوت المغني أو المغنية ومساحته الواسعة، جاء سيد درويش واهتم بالتعبير عن معاني الكلمات وإن لم تخلو أيضا أغلب أعماله من التطريب وبخاصة أدواره الغنائية، ولكنه وكما يؤكد د. زين نصار في كتابه ( موسوعة الموسيقا والغناء في مصر في القرن العشرين ) أن سيد درويش استخدم التطريب بمنطق فني ودون إسراف كما كان يحدث قبله، وقد جاءت أعمال سيد درويش الغنائية متنوعة، فقد لحن العديد من الموشحات والأدوار والطقاطيق، كما لحن أغاني الطوائف وقدم الألحان الوطنية التي ألهبت الشعور الوطني لدي كل المصريين، وجاء انتاج سيد درويش الأكبر في المسرحيات الغنائية التي بلغ عددها ( 31 ) مسرحية، ولحنها خلال السنوات السبع التي عاشها في القاهرة من عام 1917 إلي عام 1923 ، ورغم أن سيد درويش عاش حوالي 31 عاما فقط، إلا أنه ترك لنا أعمالا غنائية تشهد له بالعبقرية في إبداع الألحان وصياغتها بأسلوبه المتميز، فاحتل مكانه وعن جدارة في تاريخ الموسيقا العربية الحديثة .

تؤكد المصادر الموثقة أن سيد درويش ولد في 17 مارس عام 1892، من أبوين فقيرين من عامة الشعب المطحون في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، أي بعد انقضاء عشر سنوات علي الاحتلال البريطاني للأراضي المصرية، وكانت مصر يومئذ تابعة للخلافة العثمانية .

الحقه والده بكتاب " سيدي احمد الخياش " وتلقي فيه خلال عامين ما مكنه من حفظ القرىن الكريم ثم انتقل الي مدرسة " حسن حلاوة " ، وكان بالمدرسة مدرس مغرم بالغناء، وكانت هواياته تلقين هذه الغنائيات لطلبته في المدرسة ، فكان سيد درويش أشد الطلبة إقبالا علي حفظ واستيعاب تلك الأنغام، وظهرت موهبته الغنائية بما يتفق ويتجاوب مع هذه الهوية التي اكتشفها المدرس، فأحاطه برعايته بل ورشحه لأن يكون رئيسا لفرقته، وعهد إليه بتدريب الطلبة علي الغناء، وكان من أثر ذلك أن شاعت في نفس سيد درويش ثقته بنفسه، انتقل بعد ذلك إلي مدرسة شمس المدارس بحي راس التين وشاءت المصادفة أن أحد مدرسيها يعمل ليلا بفرقة الشيخ سلامة حجازي، ويحفظ قصائده فكان يلقنها لتلاميذه، واستطاع ان يكتشف موهبة سيد درويش من بينهم، فقربه اليه وتعهده بالرعاية الفنية ولقنه مجموعة من الأناشيد والسلامات ثم الالحان وقصائد الشيخ سلامة حجازي وهكذا كان الحظ حليفا لسيد درويش .

وفي عام 1905 إلتحق سيد درويش بالمعهد الديني بمسجد إبي العباس بالإسكندرية ، ثم انتقل إلي مسجد الشوربجي ليستكمل دراسته بالسنة الثانية حيث استكمل حفظ القرآن الكريم وجوده ، وتفوق علي أقرانه باسلوبه المتميز في تلاوة القرآن الكريم، وظل سيد درويش يؤذن للصلاة في هذا المسجد طيلة ذلك العام الدراسي ، ذاعت شهرته بين مشايخ المعهد وطلبته واكتسب ودهم وصداقتهم .

وفي عام 1907 مات أبوه الحاج درويش البحر تاركا اسرة ليس لها موارد مالية تتعيش منها، وليس لها عائل إلا الابن الوحيد سيد درويش فتحمل مسئولية أمه وشقيقاته، ففتح حانوتا للعطارة كان مكسبه قليلا، وذات يوم جمعة أغلق حانوته وذهب ليؤدي صلاة الجمعة في جامع إبي العباس، فطلب منه شيخ المسجد أن يقرأ سورة الكهف لتغيب المقرئ فاحسن سيد درويش وأجاد التلاوة ، ومنذ ذلك الوقت بدأت الخطوات الأولي لشهرته كمقرئ .

اضطرته ظروفه العائلية الي العمل كمغني يؤدي الحان الشيخ سلامة حجازي في فرقة " جورج دخول " وكانت تسمي بفرقة " كامل الأصلي " ولم يستمر عمله طويلا لأن الظروف قضت بحل الفرقة ، وكان التحاقه بهذه الفرقة سببا أساسيا في فصله من المعهد الديني ، ولما اضطرته ظروف الحياة الملحة أن يعمل مناولا لعمال البناء ، كان يحاول في عمله ان يعبر عن آلامه وأحزانه بغناء بعض الألحان الفولكلورية التي كانت شائعة بين الأوساط الشعبية في ذلك الحين، ولاحظ المقاول زيادة الإنتاج ورغبة صادقة من عمال البناء في اقبالهم علي العمل كلما انطلق صوت سيد درويش بالغناء ، مما دفع المقاول الي اختيار سيد درويش ملاحظا للعمال علي ان يكتفي منه بالغناء لهم اثناء العمل .

منذ تلك اللحظة صار سيد درويش مطربا لأول فرقة عمالية من زملائه عمال البناء وأثناء اندماج سيد درويش في غنائه للعمال، تشاء الأقدرا أن يستمع اليه الاخوان سليم وأمين عطا الله وهما جالسان علي مقهي مجاورة فأعجب بأدائه الغنائي وصوته وعرضا عليه اتفاقا ليعمل معهما مغنيا في فرقتهما الجوالة التي كانت تستعد للسفر الي الشام فلم يتردد سيد درويش في قبول العرض .

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر