جمال عبد الناصر يكتب: بيومي فؤاد كما لم تعرفوه ..موهبة تجاوزت التوقعات

الفنان بيومي فؤاد والمخرج والكاتب جمال عبد الناصر الفنان بيومي فؤاد والمخرج والكاتب جمال عبد الناصر
 
كتب : جمال عبد الناصر

في كل جيل يظهر فنان لا يُشبه أحدًا، لكنه يحمل ملامح كلّ من أحببناهم، ويُعيد إلى ذاكرتنا وهج الأسماء الخالدة دون أن يسرق من حضورها شيئًا، والفنان بيومي فؤاد، هذا الوجه الذي صار مألوفًا ومحفورًا في وجدان الجمهور المصري والعربي، هو واحد من هؤلاء، لكنه بالنسبة لي ليس فقط ذلك النجم الذي تتداول صوره وتملأ مشاهده الشاشات، بل هو صديقي وزميلي، ودفعتي في مركز الإبداع الفني تحت قيادة المخرج الكبير خالد جلال، ذلك المعمل الحقيقي لصناعة الموهبة، حيث تقاطعنا كطلاب حلمنا معًا بالفن الحقيقي، وكنت شاهدا علي حلمه الذي كان مصرا عليه ويعافر من أجل لسنين ولم يصل لما هو عليه فجأة كما يعتقد البعض او بين يوما وليلة ولكنه مشوار كبير وتعب وجهد لا يعرفه إلا المقربين من بداياته .

بيومي فؤاد لم يدخل الفن ليصنع مجدًا زائفًا، بل دخله من باب الصدق الخالص، وهو ما يتجلى بوضوح في أدائه التمثيلي الذي يخلو من الافتعال،  لطالما كنت أراقب أداءه على الخشبة في أعمال تشاركنا فيها سويا مثل عرض " أيامنا الحلوة " بمركز الابداع الفني ، وعرض " الاسكافي ملكا " علي المسرح القومي من اخراج خالد جلال وأيضا العرض الأول الذي عرفته فيه وهو " هبوط اضطراري ".

بيومي فؤاد ينتمي إلى سلالة فنية رفيعة، سلالة زكي رستم في وقاره، وحسن عابدين في عمق نظرته، وعدلي كاسب في حنكته اللطيفة، وتنوع أدائه ، لكنه لم يكن يومًا مستنسخًا لأي منهم، بل استلهم منهم "الروح" دون أن يسقط في فخ التقليد.

الفنان بيومي فؤاد والكاتب الصحفي جمال عبد الناصر
الفنان بيومي فؤاد والكاتب الصحفي جمال عبد الناصر

لقد عرفت بيومي عن قرب، كزميل يتعامل مع الفن بجدّية لا تُظهرها بساطته الظاهرة، وخلف ضحكته المعهودة، شخصية شديدة الحساسية والانضباط، وفي تحليلي لأداء بيومي، أجد أن سر جاذبيته يكمن في "اللا جهد الظاهر" وهو  ذلك الفن الصعب الذي يجعل المشاهد يشعر أن الممثل لا يمثّل، وخذ مثلًا أدواره في الأعمال الاجتماعية، حيث يلعب الأب أو الموظف أو الطبيب، فتراه دائمًا صادقًا في انفعالاته، لا يصرخ إلا حين تقتضي الضرورة، ولا يبتسم إلا حين تأتي من القلب، ولغته الجسدية مقتصدة، لكن عينه تتكلم، ووجهه يحمل آلاف التعبيرات، حتى في الصمت.

كوميديته ليست من نوع الضحك السريع، بل تَستند إلى موقف وحس توقيت عالٍ، ولعلّ هذا ما جعله أحد أكثر الفنانين طلبًا من المخرجين، وهو مثال حي على أن البطولة ليست حجم الدور، بل قوة التأثير، وفيلم " الاسكندراني " لخالد يوسف خير دليل فأنا لم اري غيره بطلا ومحورا لقصة الفيلم .

قد يبدو للبعض أنه "أكثر من اللازم"، لأن ظهوره أصبح متكرّرًا بشكل كبير في السينما والدراما، لكن هذا التكرار، في رأيي، ليس استهلاكًا بقدر ما هو دليل على تنوّعه، وقدرته على أن يكون مختلفًا في كل مرة، وربما علينا هنا أن نعيد تقييم بيومي ليس كممثل فقط، بل كظاهرة فنية وإنسانية، اختزلت الطريق الطويل بين الجدية والضحك، بين الممثل الشعبي والفنان المثقف، دون أن يدّعي أي دور من هذه الأدوار.

في عيد ميلادك، يا بيومي، لا أجد أصدق من أن أقول: نحن محظوظون بك، زملاؤك وجمهورك على حدّ سواء، وكل عام وأنت تُجدد إيماننا بأن التمثيل يمكن أن يكون بسيطًا وعميقًا، خفيفًا وثقيلاً، نادرًا وعابرًا... مثلك تمامًا.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر