من أكثر نجمات السينما المصرية التي كنت أحبها، واعتبرها الـ " كراش " بلغة شباب هذه الأيام، أو فتاة أحلامي بلغة السينما القديمة هي الفنانة آمال فريد، فقد كانت رمزا صارخا لأنوثة هذا العصر الذي ظهرت فيه بوجهها النقي وصوتها الهامس الرومانسي، واليوم 19 يونيه ذكري رحيلها.
آمال فريد تركت بصمة لا تُمحى في سجل السينما المصرية، ورغم مسيرتها القصيرة نسبياً، كانت آمال فريد، بوجهها الملائكي وأدائها التلقائي، فتاة أحلام جيل كامل، وشريكة لعمالقة الفن في لحظات سينمائية خالدة، وربما نشأتها في حي العباسية الذي كان في هذا التقيت من أرقي أحياء مصر كان له تأثير كبير عليها في تكوينها الثقافي والاجتماعي، وكان دخولها عالم الفن عن طريق مسابقة في مجلة "الجيل"، لتدل على موهبة فطرية وقبول جماهيري مبكر، وسرعان ما لفتت الأنظار إليها، ليتحول هذا القبول إلى دعم من قامات صحفية وفنية مثل مصطفى أمين وأنيس منصور، بينما كان اكتشافها الأول على يد المخرج الكبير رمسيس نجيب، الذي رأى فيها مشروع نجمة واعدة.
لم تتأخر خطواتها الأولى نحو الشاشة الكبيرة، فكان أول ظهور لها أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في فيلم "موعد مع السعادة" عام 1954، وهي بداية قوية وضعتها بجوار واحدة من ألمع النجمات، إلا أن الانطلاقة الحقيقية التي رسخت مكانتها كنجمة سينمائية جاءت بعدها بعام واحد فقط، حين شاركت الفنان عبد الحليم حافظ بطولة فيلم "ليالي الحب" عام 1955، وفي ذلك الوقت، كانت آمال فريد في السابعة عشرة من عمرها، لكنها تمكنت ببراعة من تجسيد دور الفتاة الرومانسية، مستفيدة من عفويتها وجاذبيتها الطبيعية، لتصبح "فتاة الشاشة" التي تتناسب مع أدوار البطولة الرومانسية والشبابية.
تنوعت أدوار آمال فريد بعد ذلك، فأثبتت قدرتها على الأداء في سياقات درامية مختلفة، ورغم أن دور الفتاة الرومانسية الطيبة ظل لصيقاً بها، إلا أنها قدمت أدواراً أبرزت نضجاً فنياً متزايداً، وأظهرت آمال فريد قدرة على التعبير عن مشاعر أكثر عمقاً وتعقيداً، بعيداً عن مجرد الصورة النمطية للفتاة البريئة، وكان أداؤها يتميز بالصدق والبساطة، بعيداً عن المبالغة، مما جعلها محبوبة لدى الجمهور والنقاد على حد سواء.
وعلى مدى مسيرتها الفنية، شاركت آمال فريد في عدد كبير من الأعمال السينمائية التي تتجاوز الثلاثين فيلماً، شملت أفلاماً مثل "شياطين الجو" (1956)، "بنات اليوم" (1956)، "صراع مع الحياة" (1957)، و"إسماعيل يس في جنينة الحيوانات" (1957)، مما يدل على تنوع مشاركاتها بين الأعمال الرومانسية والكوميدية والدرامية، كما شهد عام 1958 مشاركة مكثفة لها في أفلام مثل "ماليش غيرك"، "امسك حرامي"، "امرأة في الطريق"، و"الشيطانة الصغيرة"، واستمرت في العطاء الفني في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات بأفلام مثل "حماتي ملاك" (1959)، "أم رتيبة" (1959)، "إحنا التلامذة" (1959)، و"بداية ونهاية" (1960) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، والذي قدمت فيه دور " بهية "، وغيرها الكثير، وكل هذه الأفلام لم تكن مجرد إضافة لعدد أعمالها، بل كانت محطات أثرت تجربتها الفنية وأثرت في الجمهور المصري والعربي .
آمال فريد
في أواخر الستينيات، وتحديداً عام 1969، اتخذت آمال فريد قرار الاعتزال الذي فاجأ الكثيرين، وجاء هذا القرار بعد زواجها من مهندس مصري كان يقيم في موسكو، فانتقلت للعيش معه هناك، وعلى الرغم من عودتها وتقديمها لفيلمين فقط، إلا أنها قررت الاعتزال نهائياً، لتودع الأضواء في أوج عطائها.
تظل آمال فريد رمزاً للجمال الهادئ والأداء الطبيعي في تاريخ السينما المصرية، فبذكائها الفني وحضورها الخفيف، استطاعت أن تحجز لنفسها مكاناً في قلوب المشاهدين، وتبقى أفلامها جزءاً لا يتجزأ من تراث السينما المصرية، شاهداً على نجمة عاشت للفن وتركت إرثاً فنياً قيماً يستذكره الجمهور في كل ذكرى لرحيلها الذي كان في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 19 يونيو في مستشفى شبرا العام.