فى عام 2004 كان الناس حول العالم يشاهدون فيلما من "أفلام الخيال العالمي" للمثل الأمريكى الشهير ويل سميث بعوان "أنا روبوت". أحداث الفيلم من المفترض أنها تدور فى المستقبل، وبالتحديد عام 2035 -كما جاء فى حوار الفيلم- حين تطورت التكنولوجيا وصنعت آليين فائقى القدرات يساعدون البشر فى كل الأنشطة الممكنة.
فى هذه الأجواء، يعيش ضابط شرطة شيكاغو ديل سبونر الكاره للآليين، الذى يكلف بالتحقيق فى جريمة قتل خبير تطوير للآليين. يكتشف ديل شواهد تشير إلى تورط آلى يدعى سونى فى الجريمة، يتحول الأمر إلى خوف حقيقى، فقد كشف مؤامرة أوسع تهدد مستقبل البشرية. فالآليون خرقوا اتفاق الاحترام المتبادل مع البشر يعنى أن يتمكنوا من السيطرة على العالم بسهولة فائقة. يبدأ ديل التحقيق فى الأمر وحماية مصير البشر، مستعينًا بالطبيبة النفسية سوزان كالفن المتخصصة بدراسة الحالة النفسية للآليين.
الآن وبعد عشرين عاما تقريبا ومع الثورة التكنولوجية الجديدة والدخول الفعلى الى عصر "الذكاء الاصطناعي" هل يحق لنا السؤال بأن ما كنا نشاهده فى فيلم ويل سميث هو خيال علمى أم كان خيالا يتم التمهيد له وإجراء شركات التكنولوجيا الكبرى عشرات ومئات الأبحاث حتى يصبح واقعا وليس خيالا علميا يمكن أن يتحول فيه هذا "الشيء" أو المنتج الجديد إلى كائن يتفوق فى ذكائه على الإنسان العادى الذى لا يستخدم سوى 10% من ذكائه على أقصى تطوير؟
هل ما حذر منه بطل الفيلم من مؤامرة وجودية تهدد مستقبل البشر فى حالة التطور المذهل للذكاء الصناعى وسيطرته على كافة مجالات العمل البشرى بقدرة تفوق القدرة البشرية هو ما قد نراه فى القريب العاجل..؟
هل "الذكاء الاصطناعى" ليس شرّا كله أم هو الشر ذاته فى حالة توظيفه بصورة خاطئة وخبيثة من المتحكم فى أدواته ومنصاته..؟ أم أنه ليس شر وسوف يفيد البشرية ويتعاون ويساهم فى تقدمها وتطورها فى مجالات الطب والعلوم والفضاء وغيرها..؟
جدال كبير حول ما اذا كان الذكاء الاصطناعى يسبب الرعب أم يجلب الخير دار فى جلسة مهمة للغاية -وتحتاج إلى مؤتمر قومي- فى إحدى جلسات منتدى حوار الثقافات يومى الاثنين والثلاثاء الماضيين والذى نظمته الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية برئاسة القس الدكتور أندريه زكى بعنوان "الوعى وركائز تحقيق التنمية المستدامة"، وبحضور الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف.
قضية الوعى والهوية الوطنية ومكونات الشخصية المصرية لم تكن بعيدة عن التحديات التى تواجهنا مع عصر الذكاء الاصطناعى، والكل شدد على أن بناء الوعى شرط أساسى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة فهو ضرورة وجودية لمستقبل الأجيال القادم.
وهنا يطرح بعض الحضور سؤالا مهما حول دور المؤسسات الدينية والفكر الدينى فى مواجهة تلك التحديات. هل الحل فى استدعاء فقه الواقع وتطوير آليات الخطاب الديني..؟
وهل يكفى هذا وحده أم أن المعركة القريبة المقبلة تحتاج إلى إنجاز ومساهمة حقيقية فى الثورة التكنولوجية المقبلة حتى لا نستمر فى فلك التبعية ومدارها. فالدكتور هشام عزمى رئيس الجهاز المصرى للملكية الفكرية يرى أن الذكاء الاصطناعى ليس كله شرا بل سيساهم فى تشجيع الإبداع بكافة مجالاته. فى حين يعرض المهندس حسام صالح رئيس لجنة التكنولوجيا والتحول الرقمى بجامعة الدول العربية الأمر دون مواراة.. فهناك خوف ورعب من القادم وإذا استمر التطور المذهل فى منصات الذكاء الاصطناعى وتحالفت وشكلت اتحادا قويا.. فهناك خطر وجودى؟
وما الحل..؟
لا بد أن نعود إلى الأصل –بعيدا عن التشريعات والقوانين– وهو أن نكون منتجين لمحتوى عربى ضخم على منصات الذكاء الاصطناعى وقد سبقتنا بالفعل تركيا وإسبانيا وكوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة بالطبع. إضاعة الوقت فى البحث عن تشريعات وقوانين لمواجهه الذكاء الاصطناعى لن يفيد كثير فقد فشلنا فى وضع تشريعات لمواجهة تحديات السوشيال ميديا..!
لا بد من الدخول إلى قلب السباق مباشرة دون انتظار وإنتاج محتوى عربى نحافظ به على الهوية والوعى.. والوطن.