جمال عبد الناصر يكتب : أنيس منصور.. من الفكر إلى الشاشة والمسرح

الكاتب الكبير أنيس منصور الكاتب الكبير أنيس منصور
 
كتب : جمال عبد الناصر

 

اليوم 21 أكتوبر، تمرّ ذكرى رحيل الكاتب الكبير أنيس منصور، الرجل الذي لا أذكر متى بدأ عشقي له، لكنني أذكر جيدًا أنني تربيت على كتبه، وتشكّلت ملامح وعيي الأول بين سطور مقالاته وأفكاره، ولم تكن علاقتي به معرفة شخصية، لكنها كانت علاقة وجدان وتكوين، علاقة قارئ بمعلمه الأول، الذي علّمه أن يفكر قبل أن يقرأ، وأن يشك قبل أن يصدق، وأن يبحر في المعرفة دون أن يخاف الغرق.


أنيس منصور كان بالنسبة لي - كما هو الحال لكثيرين من أبناء جيلي - نافذة على العالم، فقبل اختراع اليوتيوب وكل منصات السوشيال ميديا كانت كتب أنيس منصور سوشيال ميديا ، يفتحها كل صباح من خلال عموده الصحفي، وصفحاته التي تجمع بين الفلسفة والأدب، بين الرحلة والتأمل، بين الذكاء والمرح، بين الحنين والدهشة.

لم يكن أنيس منصور كاتبًا عابرًا في تاريخ الأدب والصحافة، بل كان حالة فكرية متفردة، صاغت وجدان المثقف المصري والعربي طوال النصف الثاني من القرن العشرين، وجمع بين ثقافة الفلاسفة وذكاء الصحفيين، فكتب كما لو أنه يحاور القارئ في مقهى صغير أو في صالون أدبي، واستطاع أن يطوّع اللغة لتكون أداة حوار لا مجرد أداة كتابة.

أنيس منصور
أنيس منصور

 

  • أنيس منصور والدراما.. الكلمة التي صارت صورة..

ورغم أن شهرته قامت أساسًا على كتاباته الأدبية والفكرية، فإن أنيس منصور ترك أيضًا بصمة فنية لافتة حين تحولت بعض أعماله إلى دراما تلفزيونية وسينمائية حملت توقيعه الأدبي وملامح فكره الإنساني، ومن أبرز وأشهر هذه الأعمال مسلسل "من الذي لا يحب فاطمة"، الذي قدّم رؤية فلسفية في ثوبٍ عاطفي، حيث تتجسّد فكرة الوفاء والحنين في قصة حبٍّ لا تُنسى، رسمها أنيس منصور بحسّه الإنساني الذي يمزج بين الواقع والحلم، والمسلسل لم يكن مجرد حكاية رومانسية، بل رحلة في أعماق النفس البشرية، بين الوفاء والندم والبحث عن المعنى.

أحب أنيس منصور المسرح ولأنه كان يمتلك لغات عديدة، فقد ترجم لنا بقلمه مسرحيات وصلت لحوالي ( 9 ) منها أربع مسرحيات لدورينمات فى كتاب واحد حمل عنوان "هى وعشاقها" وكذلك مسرحية "أمير الأراضى البور" لماكس فريش، وقد أعيد نشرها من خلال سلسلة روائع المسرح العالمى التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى قدمت 25 عنوانًا منها لجمهور معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يوبيله الذهبى فى محاولتها لاستعادة كنوز المسرح العالمى ونصوصه التى ترجمت ونشرت منذ أكثر من خمسين عامًا، ومن مسرحياته : الشهاب وبعد السقوط ومن أجل عينيها ثلاث مسرحيات ترجمها أنيس منصور فى كتاب واحد وهى على الترتيب لكل من فريدريش دورينمات وآرثر ميللر وجان جيرودو.

من مسلسلاته التي أحبها جدا " غاضبون وغاضبات " الذي كان حلقات منفصلة تناول فيها مشاكل الشباب والأزواج ، وكان من المسلسلات الكوميدية الجميلة بطولة شيرين سيف النصر وشريف منير وصلاح ذو الفقار .  

  • كاتب علّمنا أن نحلم

أنيس منصور لم يكن مجرد كاتب، بل كان معلّمًا للأجيال، ومكتبة تمشي على قدمين، وصوتًا جمع بين الشرق والغرب، والعقل والعاطفة، والجدّ والمرح، فكتب عن الحب كما يكتب فيلسوف، وكتب عن الفلسفة كما يكتب عاشق، وكتب عن السفر كما لو كان يكتب عن اكتشاف الذات.

وفي ذكرى رحيله، لا نملك إلا أن نعيد قراءة ما كتب، ومشاهدة ما ابدع لأننا حين نقرأه، نكتشف أنه كتبنا نحن، وكتب أحلامنا وأسئلتنا التي لم نجد لها جوابًا إلا في كلماته.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر