جمال عبد الناصر يكتب : صوت يداوي الجرح بالحب..سوزان مختار تغني وجعها في"مفيش فايدة"

سوزان مختار .. رحلة إحساس بصوتٍ من ذهب سوزان مختار .. رحلة إحساس بصوتٍ من ذهب
 
كتب جمال عبد الناصر
  • سوزان مختار .. صوتها يحكي ويئن ويُحب

في زمنٍ تتشابه فيه الأصوات وتتكرر القوالب، تأتي سوزان مختار لتمنحنا أغنيةً تنبض بالصدق والأنوثة والوجع الجميل، عنوانها " مفيش فايدة "، ذلك العمل الغنائي المتكامل، حيث تلتقي فيه الكلمة بالعاطفة، واللحن بالإحساس، والصوت بالحقيقة.

استمعت لأغنية " مفيش فايدة " التي طرحتها المطربة سوزان مختار لأكثر من 5 مرات، ومنذ اللحظة الأولى، يطل صوتها محمّلًا بخبرة وجدانية عميقة، وصوت طربي دافئ يحمل بُحّة مميزة وبصمة خاصة لا تخطئها الأذن، فهي ليست مجرد مطربة تؤدي اللحن، بل راوية تحكي وجع امرأة وصلت إلى آخر حدود الاحتمال، لكنها لا تزال تحب، وتغني وهي تشبه نفسها، لا تقلّد أحدًا، وتملك تلك القدرة النادرة على تحويل الجملة الغنائية إلى حالة شعورية، وكأنها تعيش القصة لا تغنيها.
 

ولنتأمل مثلا حين تقول: (مفيش فايدة.. صوابعي العشرة ليك قايدة )، فهنا يتحوّل الصوت إلى تنهيدةٍ تحمل مزيجًا من المرارة والحنين، كأنها تعلن الفقد وهي ما تزال مخلصة لما تحب، وحينما تقول : "عملت أنا زي معملتش.. وشايف حبي ليك خنقة"، ففي هذا المقطع تبرز قدرة سوزان مختار التعبيرية على تحويل الجملة إلى مشهد درامي صغير، فصوتها هنا ينكسر ثم يعلو بخفة الوجع، فتشعر أن "الخنقة" ليست كلمة بل زفرة من قلبٍ أنهكته التضحية، والعبارة تحمل دهشة امرأة لا تفهم كيف أصبح الحب عبئًا على من تحب.

سوزان مختار
سوزان مختار

وفي مقطع آخر تقول : " دانا سهرانة طول لياليك.. وتعبي معاك مقدرتوش".. هنا تبلغ الأغنية ذروة الإحساس؛ فالجملة نُطقت بصوتٍ ممتلئ بالدفء والحسرة في آنٍ واحد، والمد في كلمة " سهرانة " يحمل أنينًا موسيقيًا متدرجًا يليق بأغنية طربية أصيلة، بينما تأتي جملة " مقدرتوش" كصفعةٍ رقيقة من امرأة جريحة ما زالت تملك رقيّ العاشق حتى في عتابه.

وتقول أيضا : " ولو راحتك بعيد عني خلاص والله مش كارثة" ففي هذه اللحظة، نسمع أعلى درجات النضج العاطفي في الأداء؛ فالصوت لا يصرخ ولا ينهار، بل يهمس بتسامحٍ موجع، وسوزان مختار تغني هنا فلسفة القبول لا الاستسلام ، فهي امرأة تدرك أن الحب لا يُفرض، وأن الفقد أحيانًا هو طريق الشفاء، واللحن يهدأ كأنّه انطفاء شمعةٍ بعد طول احتراق.

هتغلّب على وجعي وهفضل بردو ليك أدعي.. في هذه الجملة الختامية في الأغنية، يتجلّى عمق الإحساس الإنساني في صوت سوزان مختار، إنها تغني من مساحةٍ بين القوة والحنين، بين الكبرياء والإخلاص، وتُؤديها وكأنها تصلّي للحب رغم الخذلان، بصوتٍ يملؤه الرجاء والسكينة في آنٍ معًا، ولكنها سترجع لحبها مرة أخري لأنه حب أبدي لا يستطيع أي حدث عابر أن يمحوه أو ينهيه، فهو مستمر حتي النفس الأخير رغم الوجع والبعد .

سوزان مختار مفيش فايدة
سوزان مختار مفيش فايدة

كلمات الشاعر بلال عبده تنسج نصًا بسيطًا في لغته، عميقًا في إحساسه، يلتقط تفاصيل العلاقة بين رجل وامرأة عاشت طويلاً على أمل التقدير، فهي لا تشتكي، بل تروي اعترافها بصوت ناضج، أما لحن أحمد زعيم، فيقدّم لحنًا بسيط البنية، لكنه مشحون بالعاطفة، يترك مساحة رحبة لصوت سوزان ليحكي ويئن ويتنفس، واللحن يتحرك على مقام شرقي طربي الطابع، يتصاعد مع الانفعال ويهدأ مع التسليم، ليجعل من الأغنية رحلة وجدانية تبدأ بالانكسار وتنتهي بالتسامح، فحين تقول سوزان: ولو راحتك بعيد عني خلاص والله مش كارثة، ويتبدّل اللحن إلى نغمة شجنٍ صامتٍ يحمل نكهة الرضا المرّ، وكأنها تبتسم وهي تبكي.

ويضع الموزع أحمد علي لمساته بذكاء؛ لا يغرق الأغنية في زحام الآلات، بل يمنحها مساحتها الطبيعية لتتنفس، ويُوازن بين دفء الجيتار الذي عزفه مصطفى نصر، وعمق الكيبورد بقيادة محمود شاهي، في توزيعٍ حديث يحافظ على روح الطرب دون أن يفقد حداثته، أما المكساج والماسترنج الذي أنجزه أحمد علي في استوديو آي تون بإشراف المهندس محمد جودة، فقد أخرج الصوت في أنقى حالاته، ليبدو كأنه يغني في قلب المستمع لا أمامه.

  • سوزان مختار.. صوت الدفء والوجع النبيل في "مفيش فايدة"

تجيد سوزان مختار توظيف السكون قبل الكلمة، والتنهد بعد الجملة، فتخلق إيقاعًا داخليًا من الإحساس لا تصنعه الآلات، فحين تقول هتغلّب على وجعي وهفضل بردو ليك أدعي، تتحول الأغنية من حكاية خذلان إلى صلاة حبٍّ نبيلة، لتجعل المستمع يصدقها تمامًا لأنها تؤدي بإيمانٍ لا بتقنية فحسب.

أغنية (مفيش فايدة)  ليست مجرد عمل غنائي جديد؛ إنها حالة فنية صادقة تُعيد الاعتبار للغناء الطربي المعاصر، وتؤكد أن الإحساس الحقيقي لا يحتاج إلى صراخٍ أو استعراضٍ بل إلى صوتٍ مثل صوت سوزان مختار،  دافئ، صادق، مبحوح بالشجن، يحمل وجع النساء وكرامتهن في آنٍ واحد.

والأغنية من إنتاج شركة " الصقور " – أنس عبدالله وأحمد عبدالله فالإنتاج جاء ليقدّم نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه الأغنية العربية حين يجتمع الصدق والإبداع والإحساس في عملٍ واحد.

 

 

 

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر