جمال عبد الناصر يكتب:مصطفى العقاد.. وسينما الوعي بالهوية

مصطفى العقاد وجمال عبد الناصر مصطفى العقاد وجمال عبد الناصر
 
في مثل هذا اليوم، 11 نوفمبر، تمر ذكرى رحيل المخرج والمنتج العربي الكبير مصطفى العقاد (1930 – 2005)، الذي شكّل علامة مضيئة في تاريخ السينما العالمية، باعتباره أول عربي يصل إلى هوليوود ويحقق فيها حضورًا فنيًا وإنسانيًا استثنائيًا، ولم يكن العقاد مجرد صانع أفلام، بل كان صاحب مشروع ثقافي وحضاري، آمن بأن الصورة قادرة على أن تكون جسرًا للتفاهم بين الشرق والغرب، لا أداة للتشويه أو التنافر.
 
ولد العقاد في مدينة حلب السورية، وسافر إلى الولايات المتحدة لدراسة السينما، وهناك بدأ رحلته الشاقة في هوليوود، حيث اصطدم بعالم مغلق تحكمه المعايير التجارية والهيمنة الثقافية الغربية، ومع ذلك، استطاع أن يثبت نفسه بإنتاجه سلسلة أفلام الرعب الشهيرة "هالوين" في سبعينات القرن العشرين، ليحقق نجاحًا جماهيريًا واقتصاديًا منحه الحرية لاحقًا في تنفيذ مشاريعه التي حلم بها: تقديم صورة ناصعة وحقيقية للعالم العربي والإسلامي.
 
في عام 1976 أخرج العقاد فيلمه الأشهر "الرسالة"، الذي تناول بدايات الدعوة الإسلامية من منظور إنساني راقٍ، حيث قدّم الإسلام كرسالة عدل وتسامح وروحانية، من خلال بناء بصري ولغوي عالمي تجاوز حواجز اللغة والدين. أما في "عمر المختار" عام 1981، فقد قدّم ملحمة المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي في إطار سينمائي ضخم جمع بين الدقة التاريخية والعمق الدرامي، مؤكداً أن البطولة العربية ليست مجرد رمزية قومية، بل تجربة إنسانية في الدفاع عن الحرية والكرامة.
 
تميّزت سينما مصطفى العقاد بقدر كبير من الوعي بالهوية، فهو لم يسعَ إلى تقديم أفلام دعائية، بل أفلامًا قادرة على مخاطبة وجدان المشاهد الغربي بلغته الفنية، دون أن يتنازل عن روحه العربية والإسلامية، وبذلك أصبح العقاد جسرًا ثقافيًا نادر المثال، جمع بين الحرفية الهوليوودية والرسالة الحضارية التي آمن بها حتى آخر لحظة من حياته، قبل أن يرحل tragically في تفجير إرهابي بعمان عام 2005.
 
رحل العقاد، لكن إرثه باقٍ، يُذكّر الأجيال الجديدة بأن السينما يمكن أن تكون أداة للحوار لا للصراع، وأن المبدع العربي قادر على أن يصيغ رؤيته بمعايير عالمية دون أن يفقد ملامحه الأصيلة. إن استعادة ذكرى مصطفى العقاد اليوم ليست مجرد احتفاء بمخرج كبير، بل تذكير بقيمة فنان آمن أن الصورة يمكن أن تُعيد للثقافة العربية مكانتها في الوجدان الإنساني.

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر