الفنانة الكبيرة سميرة أحمد هي إحدى أبرز نجمات السينما المصرية وصاحبة المسيرة الممتدة التي تركت خلالها علامات إنسانية خالدة، ومن بينها دورها الاستثنائي في فيلم "الخرساء" الذي يُعد من أهم المحطات في تاريخها الفني.
وقدمت سميرة أحمد في الفيلم شخصية "نعيمة" الفتاة الخرساء التي تفقد والدتها في طفولتها، لتقع بعد ذلك تحت قسوة زوجة أب ظالمة لا تتوقف عن إهانتها، بينما يكرهها عتريس كبير القرية، ويتربص بها ابنه مستغلًا ضعفها وصمتها في كل مرة يراها فيها.
قدمت سميرة أحمد في فيلم الخرساء واحدًا من أكثر أدوارها تعقيدًا، إذ اعتمدت الشخصية على لغة الجسد وحدها في التعبير، دون أي سندٍ صوتي أو حوار يمكن الاتكاء عليه لشرح المشاعر أو تبرير السلوك، وهذا النوع من الأداء يُعدّ من أصعب أشكال التمثيل، لأنه يُعرّي الممثل أمام الكاميرا ويضع قدراته الحقيقية تحت اختبار مباشر، ونجحت سميرة أحمد في تجسيد نعيمة عبر مزيج دقيق من الانكسار الداخلي والخوف المكبوت، مستخدمةً تفاصيل شديدة الحساسية : ارتجافة العين عند الخطر، وومضة رجاء في العين، وطريقة المشي المترددة التي تعكس قهرًا تراكم عبر سنوات.
كما استطاعت أن تنقل التحولات النفسية للشخصية من الاستسلام للصمت إلى لحظة الانهيار أمام ظلم القرية دون مبالغة أو افتعال، مما منح الشخصية صدقًا إنسانيًا نادرًا، ولقد حولت سميرة أحمد الصمت إلى خطاب كامل، وجعلت من نعيمة شخصية تُقرأ ملامحها قبل أن تُفهم كلماتها، مؤكدة أن الأداء الرفيع لا يحتاج إلى صوت مرتفع، بل إلى إحساس صادق يُحسَب ضمن أهم إنجازات التمثيل النسائي في السينما العربية.
وبعيدا عن دورها في فيلم الخرساء سنجد من بين محطاتها المميزة في السينما في عدد من الأفلام منها فيلم " البنات والصيف " الذي منحها شهرة واسعة وأتاح لها دور البطولة، وقدمت بعدها أدوار مثل : صراع الأبطال ، أم العروسة، قنديل أم هاشم ، ولن ننسي دورها في فيلم " الشيماء " وهو لحظة التوهج الكبرى في مسيرتها التاريخية، ثم قدمت " ليلي وقضبان "، وأنتجت فيلم وقامت ببطولته وهو " عالم عيال عيال" عام 1976، مما يدل على وعيها الفني بالمشهد السينمائي وإدراكها لدورها كمنتجة وصانعة سينما وليس فقط ممثلة.
أما في الدراما التلفزيونية، فكانت بدايتها الحقيقية مع مسلسل " غدا تتفتح الزهور " ، ثم بعدها تألقت في : امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، ضد التيار، ماما في القسم.
من خلال هذه المحطات، برزت سميرة أحمد كممثلة متعددة الأبعاد: بطلة سينمائية، منتجة فنية، ورائدة دراما العائلة، مما يجعل مسيرتها علامة بارزة في تاريخ الفن المصري، ويأتي الاحتفاء بعيد ميلادها اليوم كتذكير بمسيرة فنانة من طراز رفيع، استطاعت أن تترك بصمتها الخاصة في كل عمل قدمته، وأن تمنح السينما المصرية مجموعة من أهم الأعمال التي لا تزال حاضرة في وجدان الجمهور حتى الآن.