مسجد السيدة نفيسة.. رائحة الأحبة

مسجد السيدة نفيسة مسجد السيدة نفيسة
 
إلهام الجمال

مسجد السيدة نفيسة هو أحد أشهر مساجد آل البيت النبوى التى ازدانت بهم أرض مصر، يقع المسجد فى منطقة تحمل نفس الاسم بالقاهرة ويعد أول مسجد فى طريق يعرف بطريق أهل البيت، وهو طريق يضم عدة محطات مشرفة منها مسجد السيدة نفيسة ومشهد الإمام على زين العابدين، ومشهد السيدة زينب بنت على والسيدة سكينة بنت الحسين والسيدة رقية بنت على بن أبى طالب وسيدى محمد بن جعفر الصادق، والسيدة عاتكة عمة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام.

للسيدة نفيسة عشاق ومريدين كغيرها من المتباركين بآل بيت النبوة، يقولون أن الدعوة فى رحابها مستجابة، فيتبارون فى نذر النذور وجذل العطايا على شرفها. وما لا يعرفه الكثير من عشاقها أن دفن السيدة نفيسة فى أرض مصر جاء بطلب من جدها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.. ولهذا حكاية اقرأ تفاصيلها معنا:

هى نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن على بن أبى طالب ولدت فى مكة فى 11 ربيع الأول 145 هـ، وأمها زينب بنت الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب. انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وهى فى الخامسة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوى وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقبها الناس بلقب «نفيسة العلم» قبل أن تصل لسن الزواج.

تقدّم الكثيرون للزواج منها لدينها وعبادتها، إلى أن قبل أباها بتزويجها بإسحاق المؤتمن بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وتم الزواج فى رجب 161 هـ، فأنجبت له القاسم وأم كلثوم.

 وفى سنة 193 هـ، رحلت نفيسة مع أسرتها إلى مصر، مروا فى طريقهم بقبر الخليل، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم فى العريش. وصلت نفيسة إلى القاهرة فى 26 رمضان 193 هـ، ورحّب بها أهل مصر، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، فخرجت عليهم قائلة: "كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أنى امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولى الناس فشغلونى عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنينى إلى روضة جدى المصطفى." ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل والى مصر السرى بن الحكم وقال لها: "يا ابنة رسول الله، إنى كفيل بإزالة ما تشكين منه". فوهبها دارًا واسعة، وحدد يومين فى الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هى للعبادة بقية الأسبوع. فرضيت وبقيت.

ولمَّا وفد الشافعى إلى مصر سنة 198 هـ، توثقت صلته بنفيسة بنت الحسن، واعتاد أن يزورها وهو فى طريقه إلى حلقات درسه فى مسجد الفسطاط، وفى طريق عودته إلى داره، وكان يصلى بها التراويح فى مسجدها فى رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء. وأوصى أن تصلى عليه السيدة نفيسة فى جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204هـ، وصلّت عليها إنفاذًا لوصيته.

عُرف عن نفيسة بنت الحسن زهدها وحسن عبادتها وعدلها، فيُروى أنها لما كانت بالمدينة كانت تمضى أكثر وقتها فى المسجد النبوى تتعبد، وتروى زينب ابنة أخيها يحيى المتوج قائلة: "خدمتُ عمّتى السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسى وأمامى عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتى تحفَظ القرآن وتفسِّره، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي." وقيل أنها حفرت قبرها الذى دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرًا، وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهى تبكى بكاءً شديدًا. كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية.كانت فيها تتعلق بأستار الكعبة وتقول:

"إلهى وسيدى ومولاى متعنى وفرحنى برضاك عني، ولا تسبب لى سبباً يحجبك عني"

كما كانت شديدة فى الحق لا تهاب الأمراء، فقد ذكر المؤرخ أحمد بن يوسف القرمانى فى تاريخه أن الناس استغاثوا بنفيسة بنت الحسن من ظلم أحمد بن طولون فكتبت له رسالة، وانتظرت حتى مرور موكبه فخرجت له، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرسالة، وكان فيها:

«ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون!»، فخشع ابن طولون لقولها، وعدل من بعدها.

فى رجب 208 هـ، أصاب نفيسة بنت الحسن المرض، وظل يشتد عليها حتى توفيت فى مصر فى رمضان سنة 208 هـ، فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا، وأراد زوجها أن يحملها إلى المدينة المنورة كى يدفنها بالبقيع، فعرف المصريون بذلك فهرعوا إلى الوالى واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد فأبى، فجمعوا له مالا وفيرا وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى أيضا، فباتوا منه فى ألم عظيم، لكنهم عند الصباح فى اليوم التالى وجدوه مستجيبا لرغبتهم، فلما سألوه عن السبب قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول لى رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم.

ووفقا للموسوعة الحرة ويكيبيديا قد جاء فى خطط المقريزى أن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة هو عبيد الله بن السرى والى مصر من قبل الدولة العباسية. ثم أعيد بناء الضريح فى عهد الدولة الفاطمية حيث أضيفت له قبة، ودون تاريخ العمارة على لوح من الرخام وضعت على باب الضريح وتبين اسم الخليفة الفاطمى المستنصر بالله وألقابه.

أعيد تجديد هذه القبة فى عهد الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله بعد أن حدثت فيها بعض التصدعات والشروخ. كما تم كساء المحراب بالرخام سنة 532هـ (1138م)، إلى أن أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن يتولى نظارة المشهد النفيسى الخلفاء العباسيون.

وكان أول من تولى النظر عليه هو الخليفة العباسى المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر ابن المستكفى وهو من بقايا العباسيون الذين هاجروا إلى مصر بعد أن قضى عليهم المغول سنة 656هـ (1258م).

وجدد المشهد النفيسى فى عصر العثمانيين فى عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا وبنى الضريح على هذه الهيئة الموجودة عليه الآن.

والمسجد له مدخل للرجال ومدخل للنساء وحديثًا تم تجديد المدخل وفرشه بالرخام الفاخر. وفى داخل المسجد ممر طويل يصل إلى المقام الشريف. وفى هذا الممر يوجد لوحات مرسومة رائعة حب أهل البيت. وبعض الأشعار الرائعة فى مدح أهل البيت. كما جُددت المقصورة النحاسية الموجودة بالضريح فى عهد والى مصر عباس الأول.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر