بالأرقام.. كتاب إنجليزى عمره 95 عاما يكشف هكذا جاء الاحتلال البريطانى لمصر

الخديوى إسماعيل الخديوى إسماعيل
 
أحمد إبراهيم الشريف

"سيدى: لا يزال فى مصر خير، ولا يزال فيها قوم يريدون أن يجنوا ثمارا ما لم يزرعوا. أؤلئك أرجو أن يحبط الله أعمالهم، وأن يهيئ لهذا البلد الطيب الكريم، ولأهله الأوداء المسالمين العاملين، أياما من أيامه السالفه، وسعادة أبقى أمدا وأقوى دعامة".. هذه كلمة السير استيفن كيف فى مجلس العموم.

وقعت فى يدى الطبعة الثانية من كتاب مهم عنوانه "تاريخ المسألة المصرية 1875 – 1910" تأليف تيودور رتشتين، ويتقدمه تمهيد بقلم ولفرد اسكاون بلنت، وترجمه إلى العربية كل من عبد الحميد العبادى ومحمد بدران ولدينا الطبعة الثانية والتى صدرت عام 1936، عن مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بينما كانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 1923.

كان الكتاب فى عنوانه الأصلى egypt ruin لكن المترجمان اختارا اسما من الكتاب رأيا أنه "أخف على السمع والأقرب للمعنى" وهو "تاريخ المسألة المصرية".

وينطلق الكتاب من فكرة مفادها أن التدخل الإنجليزى، فى مصر لم يكن اختيارا، بل أرغمتها عليه الحوادث، التى لم يكن هناك سبيل لتجنبها، وسنوقف معا عند بعض أجزاء الكتاب.

 

فتحت عنوان "خراب مصر .. تاريخ مالى وإدارى" جاء الفصل الأول بعنوان "بداية الاعتداء" وفيه:

يبتدئ تاريخ مصر المالى من حيث علاقته المباشرة بإنجلترا، من أواخر حكم الخديو اسماعيل، واوائل الشدائد الاقتصادية الكبرى التى نزلت برعيته.

عهد النهضة المصرية، فلا نزاع فى أن مصر كانت فى عهد سعيد باشا الذى خلفه إسماعيل أكثر البلدان الشرقية رخاء، فقد كانت خبت منذ عهد طويل نيران حروب محمد على التى كان يؤخذ لها الفلاحون عنوة من ديارهم، وكانت ضريبة الأراضى خفيفة للغاية لا تكاد تبلغ ثلث الضريبة الحاضرة، وبلغت حاجات المعيشة من الرخص حدا لا يتصوره العقل حتى كانت أجرة العامل العادية اليومية، وهى قرش واحد، تقوم على سعة بحاجة أسرة قروية بأسرها، وكان العمل فى الأشغال العامة الكبرى، السكك الحديدية والقناطر الخيرية الشهيرة التى بدأت فى عهد محمد على وعباس الأول سائرا بهمة عظيمة، فحفرت ترع جديدة، وأدخلت فى مصر لأول مرة الأسلاك البرقية والآلات البخارية الرافعة، ومنح المسيو دى لسبس إجازة إنشاء قناة السويس.

مصر تستفيد من الحرب الأهلية الأمريكية.

ولما قامت الحرب الأمريكية اغتنم زراع القطن المصريون هذه الفرصة الثمينة السانحة فضاعفوا صادراته فى سنتين وباعوها بنحو ثىثة أمثال سعرها الأول.

إسماعيل يتولى.. بداية الانهيار.

فلما تولى إسماعيل عام 1863 كانت توليته إيذانا بتغيير جديد، ذلك بأن استوائه على أريكة محمد على جاء فى الوقت الذى كانت فيه فرنسا (فرنسة هوسمان وأوفنباخ و"المالية العليا" والفساد والتبذير المتغلغلين فى جميع فروع الإدارة العامة، قد بلغت تحت حكم نابليون الثالث ذروة الخضارة الأوروبية، فصادفت تلك الحال هوى فى نفس إسماعيل الذى كان بطبعه متلافا للمال محبا للظهور، فأراد من أول عهده أن يتخذ له من فرنسا نموذجا يحتذى به على مثاله، وأن يجعل من نفسه نابليونا ثالثا فى الشرق، وشرع لهذا الغرض بحمية وعزيمة ما كان أخلقهما أن توجها إلى خير من هذه الوجوه، وما هى إلا عشية أو ضحاها حتى طبقت الخافقين شهرة بلاطه وقصوره وحفلاته ومحظياته ومطابخه ومخازن ميرته وأعجب الناس جميعا بعبقريته وسخائه.

 

قناة السويس .. والاستدانة المميتة

ولما احتفل إسماعيل عام 1869 بافتتاح ذلك العمل المجيد وهو قناة السويس، هرع إلى الاحتفال جل ملوك أووربا وفيهم فرنسيس جوزيف ملك هبسبرج الرفيع الشأن، وولى عهد بروسا، والإمبراطورة أوجينى، تصحبهم حاشياتهم وساستهم وعلماؤهم والفنانون من رجالهم.
 
وأخذت صحف العالم تصف ضروب التكريم الرائعة التى أقامها عزيز مصر لضيوفه.
 
ولما كان هذا الإسراف يقتضى بطبيعة الحال المال، وكانت أسعار القطن فد انخفضت فى ذلك العهد بعد أن وضعت الحرب الأمريكية أوزارها، فقد اضطر اسماعيل إلى طرق أبواب الاستدانة من لندن خاصة، حيث كان دائما يجد مصرف قرهلنج وغوشن مستعدا لإقراضه ما يحتاج إليه، وهو المصررف الذى أقرض سعيد باشا عام 1862 ما يزيد عن 3 ملايين جنيه بفائده لا بأس بها هى 8%، وكانت ديون إسماعيل فى أول أمرها شخصية الصفة لأن سلطته لم تكن مطلقة بل مقيدة بشروط توليته على مصر، فلم تكن له قوة مشروعة تجيز له أن يرتهن دخل الحكومة بأية صورة قطعية. لذلك كانت الشروط التى تقدم بها إليه الأموال إذا قورنت بغيرها باهظة تبلغ حد الربا الفاحش، ويكفى أن يقال إنه لم يدخل عام 1868 أي قبل أن يمضى على توليته 5 سنوات حتى كان قد أثقل كاهله بديون متنوعة المصادر تبلغ 25 مليون و500 ألف جنيه، وتتراوح فائدتها الاسمية بين 7%  و12% أما فائدتها الحقيقية فتتراوح بين 12% و26 %.
 

الدولة العثمانية تصاب بالفزع.. بلا فائدة

وسرعان ما استولى الفزع على الحكومة العثمانية لما عساه أن ينجم عن هذه الديون، فحظرت على إسماعيل أن يعقد أى قرض جديد، ولكن إسماعيل على رغم ذلك فقد عقد عام 1870 قرضا آخر يزيد على 7 ملايين جنيه بضمان الأراضى الأميرية وفائدة (حقيقية) باهظة تزيد عن 13%، هنالك كتب الباب العالى رأسا إلى الحكومة الإنجليزية من حيث هى الدولة الممثلة لمعظم الدائنين "يحتج مقدما على كل اتفاق مالى يمس دخل مصر بالذات أو بالواسطة، ولا يكون قد أقره صاحب الجلالة الشاهانية السلطان" .
 
WhatsApp Image 2018-08-01 at 12.20.46 PM
 

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر