فى ذكرى رحيل خالد صالح.. الفنان أحمد فهيم يكشف الوجه الآخر لـ«الريس عمر حرب»

خالد صالح خالد صالح
 

بأداء صادق وتعابير وجهه المميزة ترك الفنان الراحل خالد صالح بصمة لا تنسى على كل الأعمال الفنية التى شارك بها حتى لو كانت مدة ظهوره على الشاشة لا تتجاوز دقيقتين، وربما كان السر فى هذا الأثر المميز له فى أعماله السينمائية الأولى هو عشقه القديم للفن ورحلته التى بدأت من خشبة مسرح الجامعة فى الثمانينيات مع الفنانين خالد الصاوى ومحمد هنيدى، وربما كان السر الأهم لهذا العشق الكبير الذى لا يزال باقيًا فى قلوب محبيه إلى الآن هو أنه كان صادقًا فى حبه للناس وإنسان من طراز خاص. وعن هذا الإنسان الاستثنائى يحكى الفنان أحمد فهيم، ابن شقيقته ومدير أعماله لـ"عين" 5 قصص عن خالد صالح الأب والفنان والإنسان، فى الذكرى الرابعة لرحيله.

 

خالد صالح

 

"إحنا بوسطحية.. بناخد من ربنا ندى للى حوالينا"

بعد رحيل الفنان الكبير فوجئ "فهيم" بعشرات المعزين الذين يترحمون عليه ويحكون عن فضله ليكتشف الكثير من أعمال الخير التى كان يقوم بها سرًا دون أن يعرف حتى أقرب المقربين إليه عنها شيئًا، إلى جانب ما كان يعرفه ابن شقيقته بحكم قربه الشديد منه لسنوات طويلة، وكان "صالح" يحاول ببساطة وعفوية أن ينقل له فلسفته هذه فيحكى فهيم: "كان دائمًا يقول لى إحنا بوسطجية، اللى إحنا فيه مش بتاعنا، ربنا بعته لينا عشان نوصله لأصحابه، وبناخد من عند ربنا عشان ندى اللى حوالينا. الزعلان نبسطه والخايف يطمنه".

 

خالد صالح وابن شقيقته أحمد فهيم

 

ويعتبره "فهيم" عاشقًا لجبر خواطر البسطاء فيحكى: "هناك موقف لا أنساه أبدًا، فى أحد الأيام كنا فى طريقنا للوكيشن تصوير، قابلنا فى الطريق فى منطقة شعبية جدًا بجوار مقابر عمال يفطرون على القهوة صباحًا، يتناولون الفول والطعمية وغيرها، وهو كان مريضًا بالقولون ورغم ذلك أصر أن ينزل المقهى ويفطر مع الناس من نفس ما يأكلونه، العمال فرحوا جدًا وأنا كنت قلق لأن أكلة هذه قد تعرضه لمتاعب صحية، أو فيروس ما، فقال لى "أنا جبرت بخاطر الناس فربنا هيجبر بخاطرى، ويمكن لو فيها فيروس يكون نافع ويشفينى من المرض اللى عندى".

يتابع: حين تحسنت الأحوال المالية وعمله فى الفن أصبح مجزيًا كان يريد شراء سيارة جديدة، وفوجئت به يختار سيارة صغيرة جدًا بسعر جيد ولكنها صغيرة، فاندهشت وسألته قال لى "عايزها صغيرة عشان اللى مش معاه ما اجرحوش ويفتكرها رخيصة، واللى معاه هيبقى عارف إنها غالية".

"كان أب سى السيد"

وعن "الخال الوالد" يستشهد "فهيم" بنموذج "سى السيد" فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة ليحكى عنه ويقول: "كان زى السيد عبدالجواد، الأب القوى جدًا الحنين جدًا، ورغم طيبته وحنانه الشديدين لا يتعامل دائمًا من منطلق الحب والمشاعر وإنما المسئولية أن علينا مسئولية يجب أن نكون قدها.

يضيف: فى طفولتى كان مثار إعجابى وقدوتى وأداة أسرتى لتخويفى. فكنت متعلقًا جدًا به، وأحب أن أقيم معه غالبية الوقت فى شقته وكان وقتها فى الجامعة وأنا فى المرحلة الابتدائية، منبهر بكل تفاصيل حياته وأصدقائه فى الجامعة الذين يزورونه فى بيته ويسهرون يتحدثون عن المسرح والفن. ومن إعجابى به عشقت الفن وبدأ اهتمامى به.

 

من مسرحية الغفير
خالد صالح وعدد من أصدقائه فى مسرح الجامعة وأقصى اليمين الفنان محمد هنيدى

 

كان هذا الانبهار ممزوجًا بالرهبة والخوف فيقول "فهيم": حين كان يزورنا فى البيت كان بالنسبة لى يوم مرعب جدًا لأن أهلى يخبرونه بكل الأخطاء التى ارتكبتها وهو يحاسبنى" يضيف: "كان هو اللى بيعاقبنى مش والدى". أما أدوات العقاب فكانت كثيرة بين الحدة فى الكلام والتهديد بالحرمان من المصروف وحتى التهديد الأقسى "مش هاجى لكوا تانى".

"أنا بابا يلا"

العبارة الشهيرة من فيلم "تيتو" كانت تتحول واقعًا فى الوقت اللازم حين يحاول "خالد صالح" توجيه "فهيم" فى أمر يراه خطأ ويتمسك الأخير برأيه أكثر من اللازم. ويقول فهيم: "كان يقول لى دائمًا أنا أكبر منك وأعرف أكثر، ويوجهنى. وهو أكثر ما أفتقده الآن لأنك مهما كبرت ومهما حققت فى حياتك تظل بحاجة لشخص أمين تثق به يوجهك".

وبسبب هذا المزيج من الهيبة والحنان كانت تجربة التمثيل الأولى أمامه مخيفة جدًا بالنسبة لـ"فهيم" فيقول: كانت مسؤولية أننى ابن اخته، وأول مرة عرض على التمثيل فى حياتى كانت أمامه، ولم أعرف كيف أفاتحه فى الموضوع.

ويوضح: حدث هذا أثناء تصوير مسلسل "سلطان الغرام"، كنت أصاحبه للوكيشن كما أفعل دائمًا ففوجئت بفريق العمل يطلب منى تمثيل مشهد بدلاً من ممثل آخر استعانوا به ولم يجيد تأدية الدور، أخبرتهم أننى موافق لكن لابد أن أستأذنه أولاً ووافق فعلاً.

يتابع: كنت خائفًا جدًا من رد فعله، وبعد الانتهاء من المشهد فوجئت به تركنا ومشى. قلقت جدًا لأنه لم يتحدث عن انطباعه، لكن حين دخلنا الغرفة الخاصة به قال لى "كويس".

فى المرة التالية كان مسلسل "تاجر السعادة" وكان هناك مشهد من صفحتين بينى وبينه فشعرت بخوف شديد وذاكرت المشهد جيدًا جدًا وقبل التصوير بساعة اعترفت له: "أنا خايف يا ريس عشان المشهد كبير معاك ما يطلعش حلو" فقال لى: "عشان معايا هيبقى حلو وطمأننى". وبعد المشهد المخرجة شيرين عادل حيتنى فى الميكروفون وأثنت على أدائى وهو أيضًا تركنا ومشى. وفى الغرفة قال لى "المشهد كويس وأنت كويس وفيك حاجات منى".

"الخوف على الأبناء"

بعيدًا عن كونه "الخال الوالد" كانت لخالد صالح مخاوفه كأب لأبنائه ويحكى "فهيم": "فى بداية المشوار حين كان يعمل بالمسرح وأنجب أحمد وعالية وكانا فى المدرسة تحدث معى أن زملاء الأولاد فى المدرسة يسألونهم عن عمله، فكانوا يقولوا ممثل، فيسألونهم عن أدواره فلا يمكنهم الإجابة لأنه لا يظهر على التليفزيون. وكان متأثرًا جدًا بهذا الموقف. وقتها كنت كبرت، ففارق العمر بيننا 10 سنوات تقريبًا، كنت أؤمن جدًا بموهبته وحاولت طمأنته وأخبرته أنه سيكون نجم صف أول ولم تكن مجاملة ولكن لإيمانى الشديد به، وفعلاً تحقق ما قلته وكبر وكبر أبناؤه وأصبحوا فخورين به وكلنا فخورين به حتى بعد رحيله.

رسالة مؤثرة من أحمد خالد صالح لوالده

 

أما عن أكثر ما كان يقلقه على أفراد أسرته فيقول: "كان بيخاف إننا ما نبقاش عارفين إحنا عايزين إيه، لأن الطموح وحالة الاحتياج للنجاح وتحقيق الهدف هى اللى بتدفع البنى آدم للتحدى".

اللحظات الأخيرة

رغم هذا القرب الشديد منه لسنوات طويلة لم يكن الفنان أحمد فهيم معه فى لحظاته الأخيرة ويقول: "أنا الوحيد الذى لم يكن معه. قبل رحيله بـ 5 أشهر كنت أشعر أنه سيرحل، لشدة حبى له كنت أشعر به. كان الإحساس يقتلنى ولم أقل لأحد أبدًا. وحين تعب وسافر لأسوان كل الأسرة ذهبت معه لكننى بقيت فى بيتى عاجزًا عن رؤيته بهذه الحال، كنت أخرج لأمشى فى الشوارع ولا أعرف إلى أين أذهب. كانوا يتصلون بى من أسوان يعاتبوننى كيف لا تكون إلى جواره فى هذه اللحظة وأنت الأقرب له؟ حتى انهرت أخيرًا وأخبرتهم أننى عاجز عن رؤيته يتألم. ولم أسافر أسوان إلا قبل رحيله بيوم واحد، وصلت ليلاً وتوفى فجرًا وعدت به إلى القاهرة فى نعشه".


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر