لكل مقولة أصل وورائها حكاية وقصة، ومقولة "يا سلام سلم الحيطة بتتكلم" التي باتت نوعا من التهكم والسخرية من الشخص قليل الكلام، لا يعلم كثيرين أنها مصرية تعود 600 عام إلى الخلف، القصة وراء المقولة ذكرها المؤرخين كالمقريزي وابن حجر العسقلاني وتعود إلى مئات من السنوات.
قال المقريزي في كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" في حوادث سنة 781 هـ ": في هذه السنة كانت بالديار المصرية واقعة غريبة من كلام الحائط، وخبره أن في أوائل شهر رجب من هذه السنة ظهر كلام شخص من حائط في بيت العدل شهاب الدين أحمد الفيشي الحنفي بالقرب من الجامع الأزهر، فصار كل من يأتي إلى الحائط المذكور ويسأله عن شيء يرد عليه الجواب ويكلمه بكلام فصيح، فجاءته الناس أفواجاً، وترددت إلى الحائط المذكور أكابر الدولة، وتكلموا معه. وافتتن الناس بذلك المكان وتركوا معايشهم وازدحموا على الدار المذكورة.
وأضاف المقريزي في كتابه أن القصة فتنت أصحاب العقول فصاروا يبحثون ورائها ولم يستدلوا على شئ حتى حضر إلى ذلك البيت القاضي جمال الدين محمود القيصري العجمي محتسب القاهرة، وخرب جزءا من الحائط، فلم يؤثر ذلك شيئاً، واستمر الكلام في كل يوم إلى ثالث شعبان، حتى كاد الناس يتعبدون بقرب الحائط.
وأكثر الناس وقتها من قولهم: "يا سلام سلم، الحيطة بتتكلم"، حتى ظهر أن الذي كان يتكلم هي زوجة صاحب المنزل، فأعلم بذلك الأتابك برقوق، فاستدعاها مع زوجها، وأنكرت المرأة ثم أقرت بذلك فعاقبها "برقوق" كما ضرب زوجها وطيف بهما في مصر والقاهرة. ثم أفرج عنهم، بعد أن حبسوا مدة.
أما ابن حجر العسقلاني قال في كتابه "إنباء الغمر بأبناء العمر" إنه بعد شيوع الحادث تواطأ الشيخ ركن الدين عمر مع أحمد الفيشي وصارا يلقنان زوجة الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط وعلم "برقوق" فسمرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأة تحت رجلها.
وأوضح العسقلاني في كتابة أن المرأة فعلت ذلك في البداية لأنها كانت تغار على زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة وينهاه عن أذاها، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في الليل: يا أحمد! اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف فإنها امرأة صالحة وكرر ذلك، فارتاع الرجل وصالحها". فلما طالت المدة وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة.
المقولة المعروفة صارت تيمة لإحدى مسرحيات المؤلف الراحل سعدالدين وهبة "يا سلام سلم الحيطة بتتكلم" كتبها سنة 1974، وجعل في قصته أن البطلة هي من تتحدث من خلف الحائط لتدفع الناس للثورة على السلطان الظالم؛ لكنها للأسف وقعت في غرام السطان ولم تنجح الثورة.