على الكشوطى يكتب: مسافر حلب إسطنبول..عمل فنى صادم وموجع من منظور إنسانى

صبا مبارك صبا مبارك
 

سافر فيلم مسافر حلب إسطنبول فى جولة طويلة إلى العديد من المهرجانات فى الوطن العربى والعالم ولكن لم تتسنى لى الفرصة لمشاهدة الفيلم، الذى تقوم ببطولته الأردنية صبا مبارك ومن إخراج التركية أنداش هازيندار أوغلو، إلا من خلال فعاليات مهرجان مالمو للسينما العربية فى دورته الثامنة، والتى أدرجت الفيلم ضمن عروضها وهو من حسن حظ ضيوف مهرجان المالمو الذى يترأسه المخرج محمد قبلاوى، حيث جعلهم المهرجان على موعد مع واحد من أهم الأفلام السينمائية، التى تناولت الأزمة السورية وما آلت إليه الأمور هناك.

 

مسافر حلب إسطنبول مع أول مشاهد الفيلم تستطيع أن تتنبأ بأنك أمام فيلم سينمائى يستحق المشاهدة، مجموعة من الفتيات الصغار تناثرت أحلامهن هنا وهناك، يلعبن بخريطة العالم عالم فى شكلها الكروى يغمين أعينهن ثم تضع كل واحدة منهن إصبعها على الخريطة لترى إلى أى دولة ستكون نصيبها فى اللجوء والهرب من الحرب فى سوريا، لحظات ليست ببعيدة تبدأ المخرجة أوغلو فى رسم بانوراما سريعة لأبطال الفيلم مريم "صبا مبارك" صاحبة محل التجميل لينا وشقيقتها الصغيرة ووالدتها ووالدها.

فى مشاهد لاهثة وسريعة يتحول مسار الأحداث ويجد المشاهد نفسه أمام امرأة جميلة "مريم" فقدت بيتها ووالدها وفتاة صغيرة وشقيقتها الأصغر فقدت كل ما تملك فى الحياة، لتجد "مريم" نفسها فى طريقها إلى إسطنبول هربا من الحرب فى سوريا ولا تجد سبيلا إلا أن تعتنى فى رحلتها بطفلة فى عمر الرضع وشقيقتها "لينا" التى تعانى من مشاعر الفقد لدرجة إنكار للحقيقة وعدم الاعتراف برحيل والدها ووالدتها.

 

إيقاع الفيلم لاهث وسريع ومكثف لدرجة أنه يستحوذ على حواس المتلقى ولا يجعله قادر على الشرود بذهنه إلى إلا شىء آخر سوى الفيلم وما يراها من مشاهد بديعة إلا قليلا، ربما تابعنا عبر الشاشات وعبر العديد من الأفلام ما تمر به المرأة السورية خلال الحرب، ولكن ربما اللافت للنظر فى مسافر حلب اسطنبول هو أن ذكاء كاتبة الفيلم وهى بالمناسبة مخرجة العمل وضعت الجمهور أمام كل ما تتعرض له النساء والأطفال والشيوخ فى مرحلة هروبهم من سوريا ولجوءهم إلى تركيا عبر الحدود، بداية من مواجهة شبح الاغتصاب إلى مرحلة العوز والكسرة مرورا بصعوبة التأقلم مع الحياة كمتشرد أو كحيوان أليف منزلى ضل طريقة فلم يجد إلا الشارع ملجئًا له.

الفيلم مبنى على أحداث حقيقية فالكاتبة والمخرجة مرت بنفس الظروف تقريبا فهى امرأة تركية وقفت بسيارتها فى أحدى الاشارات فوجدت طفله تحمل أخرى وتطلب النجدة لمحاولة إنقاذ الشقيقة الصغرى، ولكن ليس ذلك سر تميز الفيلم، إنما سر تميز الفيلم فى أبطاله الحقيقيين من اللاجئين السوريين بتركيا ممن جسدوا أدوارهم كما عاشوها فخرجت الشخصيات بملامحها الإنسانية وتناقضتها البشرية كشخصيات من لحم ودم.

أبرز ما يميز العمل هو أنه إعادة اكتشاف للأردنية صبا مبارك، إضافة إلى أننا أمام طفلة سيكون لها شأن عظيم فى مجال التمثيل هى الطفلة "روان" التى جسدت شخصية لينا وهى لاجئة سورية فى الحقيقة وعانت ويلات الحرب، ليس ذلك فقط إنما الموسيقى التصويرية للعمل لعبت دور هام جدا لصاحبها تويجار ليسيكلى، حيث دفع الجمهور للبكاء أثناء عرض الفيلم بمالمو بسينما بانورا ضمن فعاليات المهرجان، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المشاهد التى كانت تقوم فيها "روان" أو لينا بالتعامل مع نفسها على انها طفلة تستحق البهجة والضحك واللعب هى المشاهد الأكثر تأثيرا فى المشاهد بالعمل ولولا أن استطاعت أوغلو تجسيدها بتلقائية طفولية وبريئة لفقد العمل الكثير من اللآلق.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر