زينب عبد اللاه تكتب: يحيا ملك الإبهار «الفخرانى» شيطان الفن وملاكه

يحيى الفخرانى يحيى الفخرانى
 

قادر على أن يفاجئك دائما فلا يمكن أن تتوقع دوره أو أدائه.. يستطيع أن يجعلك مبهورا طوال الوقت فلا تصدق حين تراه متلبسا شخصية الشيطان ونوس أنه هو ذاته الملاك الذى أبكاك وغسل روحك وأنت تتابع براءة ونقاء الخواجة عبد القادر وقربه من الله.

هكذا هى عبقرية الفن والتمثيل وهكذا هو العملاق العبقرى ملك الإبهار الدائم الفنان يحيى الفخرانى الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم.. القادر على أن يجسد شخصية بلبل الشاب الذى يعانى من تأخر عقلى فى فيلم "مبروك وبلبل" وفى نفس الوقت لا ترى غيره قادرا على تجسيد شخصية الشيخ الحكيم العادل الذى ينطق بالحكمة ويحكم بلداً ويدير حرباً فى "شيخ العرب همام"، أمير البيزنس والدهاء "سليم البدرى فى ليالى الحلمية"، و"حمادة عزو" الرجل المستهتر الذى يعيش بروح طفل مدلل فى "يتربى فى عزو".

لا يكتفى بالإبهار والاختلاف والمفاجآت الدائمة التى يقدمها للمشاهد فى كل شخصية بل يستطيع أن يحمل كل تناقضات البشر وأن يعرضها فى الشخصية الواحدة، فيكفى أن ترى انفعالات وجهه وقدرته على تجسيد الخير والشر معأ فى شخصية الموظف شرف فتح الباب فترى نصف وجه يحمل ملامح الطيبة والقناعة والخير، والنصف الأخر تطل منه ملامح الشر والطمع والقدرة على الخداع، وهكذا حمل تناقضات أخرى فى شخصية "المحامى ربيع الحسينى " بمسلسل"نصف ربيع الآخر" الذى يعيش صراعا بين إخلاصه لزوجته ومشاعر حبه القديم الذى يراه أمامه بعد سنوات فراق، وفى مسلسل "زيزينيا" يحمل التنوع المبهر لنصف الاسكندرانى ابن البلد ونصف الخواجة الارستقراطى فى شخصية بشر عامر عبدالظاهر، وهكذا أبدع فى شخصية عباس الأبيض، ورحيم فى " الليل وأخره".

يغوص فى أعماق الشخصية يلمس نقاط ضعفها وقوتها يعيش بمشاعرها يكشف تفاصيل روحها ويلبسها ويتحرك ويشعر ويتكلم ويبكى ويفرح ويحزن مثلها..يكفيك أن ترى نقطة التحول فى شخصية حمادة عزو المستهتر عندما ماتت أمه وجلس إلى جوارها يحدثها باكيا نادما ثم ينام إلى جوارها، وحين جلس على الرصيف منفصلا عن العالم يأكل صحن البليلة ويبكى وفى الخلفية أغنية "تمر حنة".

يحيى الفخرانى وحش التمثيل المتفرد الذى يتحدى نفسه ولا ينافس غيرها ولا يكرر شخصية قدمها مرتين، وهو ما يفسر رفضه عشرات الأدوار التى يرى فيها تشابها مع شخصية سبق وأن قدمها، ليحافظ دائما على شعور الدهشة والإبهار الذى يستمتع به المشاهد وهو يتابع عملا جديدا من أعمال الفنان صاحب الجماهيرية الكبيرة.

 يتسلل بأدائه إلى أعماق روحك ويبقى راسخاً فى ذاكرتك وتكوينك، يمتلك من القدرات الفنية ما يجعله قادرا على استخدام كل حواسه وتكوينه، حتى وإن كان يستخدم صوته فقط وهو ما أبدع فيه وتفرد حين قدم مسلسل الكارتون الشهير قصص الأنبياء فى القرآن، يدقق فى كل التفاصيل ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة ويتابع أداء غيره من الممثلين المشاركين حتى ينفعل بالشخصية التى يؤديها ويحيط بكل جوانبها ويقدمها على أكمل وجه.

يحيى الفخرانى ذاك الفنان الذى يمتلك من القدرات ما يجعله قادرا حتى على تقديم الفوازير والاستعراض بطريقته وهكذا فعل عندما شارك فى فوازير "مناسبات" فى رمضان عام 1988 مع صابرين وهالة فؤاد.

عشرات ومئات الشخصيات التى لا يمكن حصرها أبهرنا فيها وأبدع وتفرد، ففى السينما وعلى الرغم من أنه لم يقدم لها أعمالأ بغزارة ما قدمه للدراما، إلا أن هذه الأعمال علامات لا تنسى ومنها "خرج ولم يعد، الكيف، عودة مواطن، إعدام ميت، رجل وامرأتان، الأقزام قادمون"، كما قدم عدد من الروائع للمسرح ومنها الملك لير، والبهلوان، وليلة من ألف ليلة، وحصل على أكثر من 50 جائزة على مدار مسيرته الفنية.

يحيى الفخرانى الذى ولد عام 1945 فى الدقهلية لأب يعمل صائغا ،كان يهوى الموسيقى والعزف على الأوكرديون، واعتاد على التفوق منذ الصغر فالتحق بكلية الطب وفيها انضم إلى فريق التمثيل وبدأت موهبته تسطع، وحصل على جائزة أحسن ممثل على مستوى الجامعات المصرية، وخلال دراسته تعرف على الدكتورة لميس جابر ونشأت بينهما قصة حب كبيرة.

وبعد تخرجه من كلية الطب عام 1971، عمل الفخرانى كممارس عام فى صندوق الخدمات الطبية بالتليفزيون، وكان ينوى التخصص فى الأمراض النفسية والعصبية، ولكنه عاش فى صراع بين موهبته ومهنته، ولأنه يعيش بقلب مغامر قرر أن يترك الطب ويحترف التمثيل، وبدأت شهرته مع نجاحه فى المسلسل الاجتماعى الشهير «أبنائى الأعزاء شكرا»، وبعدها توالت أعماله الناجحة، وحصل على أول بطولة فى مسلسل «صيام صيام» الذى عرض عام 1981، وتوالت بعدها العديد من النجاحات والإبداعات.

ولا يقتصر تفرد الفخرانى واختلافه عن غيره وعبقرية شخصيته فى القدرات الفنية فقط، ولكنه يحمل من الصفات الإنسانية مالا يقل عبقرية عن عبقرية التمثيل والأداء، يعرف معنى التسامح ويعيشه ويستوعب الاختلاف بكل أشكاله، تشبع بالسماحة الدينية التى غرسها فيه والده منذ صغره حين سأله عن الكنيسة فقال له الأب أنها بيت الله، ويمكنه أن يصلى فيها مع أصدقائه المسيحيين، قائلا: «لما تدخل مع أصحابك المسيحيين ابقى اقرأ الفاتحة وكده يبقى بتصلى زيهم"، لذلك لم يقف اختلاف الديانة حائلاً أمام حبه فتزوج من حبيبته لميس جابر وأنجب منها ابنيه شادى وطارق، وله عدد من الأحفاد، ويعيش مع أسرته وزوجته وابنيه وأحفاده حياة مستقرة هادئة.. وفى عيد ميلاد شيطان الفن وملاكه لا نملك إلا أن نقول يحيا ملك الإبهار الفخرانى.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر