صلاح السعدنى..حسن أرابيسك نسج فى وجدان الجماهير شخصيات عاشت للأبد

صلاح السعدنى صلاح السعدنى
 
زينب عبداللاه

حين ترى طلته على الشاشة تشعر أنه لا يمثل وأنك تعرفه جيدا، تربطك به علاقة صداقة أو قرابة، أو جيرة، أو جمعتك به جلسات كثيرة على المقهى، فهو ابن البلد والحى الشعبى، صاحب المبادئ، والفلاح، تراه فى كل حى ولد عترة، شهم خفيف الظل..هكذا هو عمدة الدراما صلاح السعدنى فى أعماله وحياته.

يحمل بعضا من صفات الأسطى حسن أرابيسك الفنان الذى يمتلك صنعة وقدرات لا يمتلكها غيره فلا يتعامل مع هذه القدرات كوسيلة للكسب ولا يهمه الكم، يبتعد ويتوقف حين لا يجد خامة فنية تصلح لكى تزيد رصيده من القطع الفنية النادرة المحفورة فى أذهان جمهوره، وهو "نصر وهدان القط" صاحب المبادئ والباحث عن الكنوز فى "حلم الجنوبى"، ولهذه الأسباب ربما لا يتناسب عدد الأعمال التى قدمها السعدنى مع الامكانيات الفنية الهائلة التى يمتلكها.

وحين تقول عمدة الفن لا تجد من ينطبق عليه هذا الوصف سوى السعدنى، خير من قدم شخصية العمدة فى الدراما، الذى أبدع فى شخصية العمدة سليمان غانم فى رائعة أسامة أنور عكاشة" ليالى الحلمية"

أبدع الفنان الكبير صلاح السعدنى فى كل ما قدم من روائع، ولم يتنازل يوما واختار أن يستقر فى أذهان ووجدان جمهوره بروائع فنية تظل باقية حتى وإن ابتعد.

فنان مثقف ذو أصول ريفية شرب الثقافة والأدب من شقيقه الأكبر الكاتب الساخر محمود السعدنى وحمل بعضا من صفاته، وبدأت موهبة صلاح السعدنى المولود عام 1943، تظهر منذ كان طالبا بالمدرسة السعيدية وبعدما التحق بكلية الزراعة تعرف على أصدقاء عمره، عادل إمام وسعيد صالح ونور الشريف وبدأت تسطع نجوميتهم فى مسرح الجامعة.

كان الأخ الأكبر محمود السعدنى يصطحب شقيقه الفنان الناشئ إلى قهوة "محمد عبد الله" بميدان الجيزة، والتى كانت بمثابة صالون ثقافى يجمع أهل الأدب والشعر، مثل عبد الرحمن الخميسي، ونعمان عاشور، وزكريا الحجاوى، ويوسف إدريس، فاكتسب صلاح السعدنى الكثير الخبرات الحياتية والفنية والثقافية.

وبدأ السعدنى حياته الفنية فى الستينات حيث شارك فى مسلسلى الرحيل والضحية، وفى السبعينيات شارك فى عدد من الأعمال السينمائية الهامة، ورغم أنه كان فى بداياته إلا أنه استطاع أن يجد له مكانا بين عمالقة الفن عندما قدم شخصية علوانى فى فيلم الأرض، كما شارك فى فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبي، مدرستى الحسناء، أغنية على الممر، وغيرها. 

وبمجرد أن بدأت نجومية السعدنى فى السبعينات حتى تعثرت مسيرته لما يقرب من 10 سنوات بسبب خلاف شقيقه الكاتب الساخر مع الرئيس السادات، وهو ما أدى إلى حظر عمل شقيقه الممثل الناشئ فى أى أعمال فنية بالتلفزيون المصرى، فاتجه للتمثيل فى مسلسلات من انتاج عمان ودبي، وكانت هذه السنوات سببًا فى تأخر صلاح عن أبناء جيله.

عاد السعدنى ليتألق منذ بداية الثمانينات وقدم أهم أعماله، ورغم قلة أعماله السينمائية مقارنة بما قدمه للشاشة الصغيرة من أعمال درامية إلا أنه شارك فى عدد من الأفلام الهامة ومنها " الموظفون فى الأرض، قضية عم أحمد، ملف فى الأداب، شحاتين ونبلاء، زمن حاتم زهران، فوزية البرجوازية، المراكبى، وغيرها"، كما قدم عدد من الأعمال المسرحية ومنها :"الناصر صلاح الدين،ثورة الموتى،الملك هو الملك، باللو باللو"

وازداد تألق العمدة فى روائع الأعمال الدرامية التى صنعها عمالقة الدراما أمثال أسامة انور عكاشة واسماعيل عبدالحافظ ومحمد صفاء عامر، فرسخ فى وجدان الجماهير بشخصيات وأدوار أصبحت علامات فى تاريخ الدراما، ومنها : عاطف فى "أبنائى الأعزاء شكرا" ،العمدة سليمان غانم فى "ليالى الحلمية"، نصر وهدان القط فى "حلم الجنوبى"، دكتور عزيز محفوظ فى "الأصدقاء"، الحاج عبد القادر عوف فى "كفر عسكر"، المعلم ابراهيم العقاد فى "الباطنية"، والحسينى رضوان فى رجل فى زمن العولمة، وغيرها الكثير، وكان آخر الأدوار التى قدمها عمدة الفن شخصية عبد القادر فى مسلسل القاصرات عام 2013.

 لم يخطط السعدنى لهذه النجاحات فقط كان يبدع فى أداء كل شخصية، يتشربها ويمنحها بصمته وتوقيعه.

ابتعد صلاح السعدنى وترك فراغا كبيرا، سيطرت عليه حالة من الحزن بعد وفاة أقرب أصدقائه ورفقاء رحلة إبداعه، الذى قال إنهم يمثلون جزءا هاما من عمره، وجمعته معهم أجمل ذكريات الصبا والشباب، نور الشريف ومحمد وفيق ومحمود عبد العزيز، وأسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ ومحمد صفاء عامر، كما عانى من بعض الظروف الصحية.

يعيش عمدة الدراما بعيدا عن الأضواء، يقضى أغلب أوقاته مع أحفاده، يقرأ القرآن ويتابع المباريات والبرامج الرياضية وبعض الأعمال الدرامية.

وبعد كل هذه المسيرة والعطاء لم يتم تكريم العمدة فى أى مهرجان فنى، بينما تم تكريمه فى مهرجان نجم العرب نهاية العام الماضى بناء على ترشيح من الجمهور العربى والمصرى، وتسلم الجائزة نجله الفنان أحمد السعدنى الذى انتقد عدم تكريم والده فى أى من المهرجانات الرسمية، فهل يعقل أن يتم إغفال دور صلاح السعدنى الفنى وألا يتم تكريمه حتى الأن؟

وبعد طول غياب لا نملك إلا أن نقول لعمدة الفن شكر على فيض عطاءك وإبداعك...إحنا أسفين ياصلاح.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر