جمال عبد الناصر يكتب : الفراشة التي أعادت تشكيل الذاكرة البصرية للمصريين

جمال عبد الناصر وفريدة فهمي جمال عبد الناصر وفريدة فهمي
 
في تاريخ الفنون الأدائية المصرية، قلما يبرز اسم يتجاوز حدود المهارة التقنية ليغدو رمزًا ثقافيًا ومفهومًا جماليًا مستقلًا بذاته، هكذا تتجلى تجربة فريدة فهمي، الراقصة والممثلة التي لم تكتفِ بأن يكون جسدها أداة للحركة، بل جعلت منه وسيطًا للتعبير، وجسرًا بين التراث الشعبي والحداثة المسرحية، وبين "الجسد المؤدي" الذي يلتزم البناء الحركي و الكوريوغرافيا، و"الجسد المُعبّر" الذي ينسج معاني تتجاوز الإيقاع نحو الدلالة والانفعال.
 
فريدة فهمي بنت مكانتها الاستثنائية في فرقة رضا، وكرّست مفهومًا جديدًا للرقص كفن يحمل فكرًا، لا كونه أداءً استعراضياً فحسب، وتستدعي هذه التجربة قراءة نقدية تتجاوز الاحتفاء السطحي بـ"الأداء الجميل"، نحو تحليل العمق الفلسفي الذي اتخذته حركتها على الخشبة، وكيف أن الجسد – في حالتها – لم يكن مرآة للثقافة فقط، بل صانعًا لها، وفي زمن كانت فيه الفنون الشعبية تُنظر إليها كأشكال ترفيهية، جاءت فريدة فهمي لتُعيد الاعتبار للجسد الشعبي عبر لغة مسرحية راقية، تستدعي النقاش حول مفهوم "الهوية المؤداة" و"الأنوثة الفنية" في السياق العربي الحديث.
 
 
واليوم 29 يونيو، نحتفل بعيد ميلاد الفنانة فريدة فهمي، إحدى أبرز الرموز النسائية في تاريخ الفنون الاستعراضية المصرية، والوجه الأشهر لفرقة رضا للفنون الشعبية، التي ارتبط اسمها باسمها لعقود، حتى أصبحت رمزًا للرشاقة الفنية، والأناقة الشرقية، والانضباط الأكاديمي.
 
مع تأسيس فرقة رضا للفنون الشعبية عام 1959، على يد محمود رضا وعلي رضا، كانت فريدة فهمي الوجه النسائي الأبرز في الفرقة، ولم تقتصر مشاركتها على الأداء فحسب، بل ساهمت أيضًا في تطوير منهج الأداء الاستعراضي والاهتمام بالدقة الجسدية والتعبيرية في الرقصات.
تميّز أداؤها بجمال الحركة، والقدرة على التعبير الدرامي من خلال الجسد، فجمعت بين تقنيات الباليه والروح الشعبية المصرية، ما جعلها أيقونة فريدة في المشهد الفني العربي، وبفضل حضورها الآسر، أصبحت النجمة الأولى للفرقة، وشاركت معها في جولات عالمية عرّفت العالم على فنون مصر الشعبية بوجه حضاري راقٍ.
 
 
 
فريدة فهمى (1)
فريدة فهمى (1)

فريدة فهمى (2)
فريدة فهمى (2)

فريدة فهمى (3)
فريدة فهمى (3)

فريدة فهمى (4)
فريدة فهمى (4)
وكان لها حضور في السينما إلى جانب أعمالها مع الفرقة، وشاركت فريدة فهمي في عدد من الأفلام الاستعراضية التي مزجت بين الموسيقى والدراما والرقص، من أبرزها: إسماعيل ياسين في البوليس الحربي ، إجازة نصف السنة (1962)، غرام في الكرنك ، ويُعد من أهم أفلام الفرقة، وأشهرها، حيث لعبت فيه دور البطولة، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا،وهناك أيضا حرامي الورقة (1970)، كما ظهرت في أعمال وثائقية ومهرجانات دولية، وكانت دائمًا الواجهة الفنية التي تمثل مصر في المحافل الاستعراضية العالمية.
 
اعتزلت فريدة فهمي العمل الفني في أوائل الثمانينيات، بعد رحلة حافلة من العطاء، لكنها لم تنقطع عن الفن، بل استكملت مسيرتها من خلال التدريس والمحاضرات، وقدّمت رؤيتها حول الرقص كفن راقٍ يستحق التقدير، وساهمت في الحفاظ على تراث فرقة رضا.
 
في عيد ميلادها، نحيي فنانة كرّست حياتها لفن راقٍ، ورفعت من شأن الرقص الاستعراضي المصري، وجعلت من جسدها أداة للتعبير الجمالي والهوية الثقافية، ففريدة فهمي ليست فقط راقصة، بل مدرسة فنية قائمة بذاتها، لا تزال تلهم الأجيال.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر